358 - ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام في تعديد أقوام ذمهم: " ورجل ينازع الله رداءه، فإن رداءه الكبرياء، وإزاره العظمة (1) "، وهذا القول مجاز، والمراد بذلك أن الكبرياء والعظمة رداؤه تعالى وإزاره اللذان يكسوهما خليقته، ويلبسهما بريته، ولا يقدر غيره على أن ينزع منهما ما ألبسه، أو يلبس منهما ما نزعه. والمراد بذلك العظمة والكبرياء على حقيقتهما، دون ما يعتقده الجهال أنه عظمة وكبرياء وليس بهما، وذلك مثل ما نشأ من تعظم الجبارين، وتكبر المتملكين، فإن ذلك ليس بتعظيم من الله سبحانه لهم، ولا بإفاضة من ملابس كبريائه عليهم، وإنما العظمة والكبرياء في الحقيقة هما الكرامة التي يلقيها الله سبحانه على رسله وأنبيائه، والقائمين بالقسط من عباده، فيعظمون بها في العيون، ويجلون في الصدور والقلوب، وإن كانت هيئاتهم ذميمة، وظواهرهم ورقابهم خاضعة، وبطونهم جائعة، فإذا ثبت ما قلنا بأن تسمية الكبرياء والعظمة رداء الله وإزاره ليس لأنه يكتسيهما، ولكن لأنه يكسوهما (2)، وذلك كما يقول القائل، وقد رأى على بعض الناس
(٤٤٠)