المجازات النبوية - الشريف الرضي - الصفحة ٢٥٠
قذفوه فيها ". فوصف الفتنة بالعماء والصمم مجاز، والمراد أن أهلها عمى عن المراشد، صم عن المواعظ، فلما كانت الفتنة سببا لعماهم وصممهم جاز أن ينسب العمى والصمم إليها دونهم. وقد يجوز أيضا أن يكون المراد أنها تعمى الابصار برهج غبارها، وتصم الاسماع بزجل (1) أصواتها، والقول الأول أقرب إلى الصواب، وأشبه بمقاصد الكلام (2).
199 - ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام لرجل حلب ناقة: " دع داعى اللبن " وهذه استعارة، والمراد أمره أن يبقى في خلف (3) الناقة شيئا من لبنها من غير أن يستفرغ جميعه، لان ما يبقى منه يستنزل عفافتها (4)، ويستجم (5) درتها، فكأنه يدعو

(1) الزجل: الجلبة وارتفاع الأصوات.
(2) ما في الحديث من البلاغة:
في الحديث استعارتان تصريحيتان، حيث شبه الحقد الذي يكون بين المتهادنين بالدخان الذي يدل على النار، بجامع دلالة كل منهما على ما بعده، فالحقد يدل على نقض الهدنة، والدخان يدل على اشتعال النار، وحيث شيه الشك الذي بين المجتمعين بالقذى الذي يكون في العين وهي مغمضة عليه غير ظاهر، بجامع الافساد في كل، فالقذى يفسد العين، والشك يفسد الاجتماع ويسبب الفرقة.
وفيه مجاز مرسل، حيث استعمل عمياء وصماء، وهو وصف الفتنة في الناس، لان الفتنة سببه، فإسناد عمياء وصماء إلى ضمير الفتنة مجاز مرسل علاقته السببية.
(3) خلف الناقة: بكسر الخاء وسكون اللام، ثديها.
(4) العفافة: بقية اللبن في الضرع بعد ما حلب أكثره.
(5) يستجم درتها: يكثر إدرارها وإنزالها للبن.
(٢٥٠)
مفاتيح البحث: الصّلاة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 245 246 247 248 249 250 251 252 253 254 255 ... » »»
الفهرست