المجازات النبوية - الشريف الرضي - الصفحة ٢٠١
وعرف طريقتهم، وقد فسر أيضا قول الآخر:
أنا ابن جلا وطلاع الثنايا * متى أضع العمامة تعرفوني (1) على مثل هذا المعنى، فكأنه توعدهم عند إلقاء العمامة ببادرته، وأن يفيض عليهم ما يستجمه (2) من مثابة سطوته. وقوله: تعرفوني ليس يريد العرفان الذي هو ضد الانكار، وإنما أخرجه مخرج الوعيد، وأطلعه مطلع التهديد، كما يقول القائل لغيره إذا أراد هذا المعنى: ستعرفني أو أما تعرفني، والمراد ستعرف عقوبتي، أو أما تعرف غضبى وسطوتي (3).
157 - ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: " المجاهد من جاهد نفسه " وهذا مجاز، والمراد من امتنع من مواقعة المعاصي

(1) يستجمه: أي يخزنه ويدخره، وأصل المثابة من البئر منلغ جموم مائها أي اجتماعه، أي ما يخزنه مما اجتمع من سطوته.
(2) ابن جلا: هو الرجل الواضح الامر، أي أنا رجل معروف أمرى مشهور بالقوة والردع، وقد شرح الشريف وضع العمامة بمعنى ذهاب الحلم، وهذا أحسن مما شرح به غيره من وضع العمامة معناه لبس لامة الحرب، لأنه يريد أن يقول لأهل العراق: لا تخرجوني عن حلمي فإنني إذا خرجت عن حلمي عرفتم مبلغ تنكيلي بكم وبطشي.
(3) ما في الحديث من البلاغة:
في الحديث تشبيهان بليغان، حيث شبه الحبوة وهي ما يجمع به الساقان إلى الظهر من عصابة ونحوها، بالحائط الذي يستند إليه الانسان فلا يميل، ويكون ثابتا في مجلسه بجامع الثبات في كل، وشبه العمامة بالتاج في كونها زينة الرأس كما أن التاج زينة الرأس وحذف وجه الشبه وأداته.
(٢٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 196 197 198 199 200 201 202 203 204 205 206 ... » »»
الفهرست