258 - ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: " من أراد أهل المدينة يكيدهم اماع (1) كما يماع الملح في الماء ". وهذه استعارة، والمراد أنه يمحق كيده ويضمحل أمره، فيكون كالهباء المتلاشي والبناء المتداعي، فلا يثبت له عماد، ولا يد عمه سناد. فعبر عليه الصلاة والسلام عن هذه الحال بالأمياع، لأنه لا يماع إلا الجسم المتخلخل الذي لم تستحصف جبلته (2)، ولا استحجرت طينته (3)، وتوصف أيضا الأجسام الرقيقة بمثل ذلك، فيقال ماع الماء إذا جرى على وجه الأرض، وكذلك الدم، وأماع السمن: إذا ذاب، وكذلك الرب (4) ويفرق بينهما بأن يقال للجسم الذي لا يتماسك إذا خلى عنه ماع كالماء والدم. ويقال للجسم الذي إذا أطلق عنه تماسك بعض التماسك أماع كالسمن والرب قال الشاعر:
كأنه ذو لبد دلهمس * بساعديه جسد مورس (5) * من الدماء مائع وملبس *