المجازات النبوية - الشريف الرضي - الصفحة ٢٢٢
في المهاوي، فيلغ في الدماء الحرام، ويحتطب في حبائل الآثام، ويشرع في نقل النعم من أماكنها، وإزعاجها عن مواطنها. فيكون عقاب هذه المحظورات محبطا لحسناته، ومسقطا لثواب طاعاته، على المذهب الذي أشرنا إليه فيما تقدم. فيصير الحسد الذي هو السبب في استحقاق العقاب، وإحباط الثواب كأنه يأكل تلك الحسنات، لأنه يذهبها ويفنيها، ويسقط أعيانها ويعفيها. وإنما شبهه عليه الصلاة والسلام في أكله الحسنات بالنار التي تأكل الحطب، لان الحسد يجرى في قلب الانسان مجرى النار لاهتياجه، واتقاده وإرماضه (1) وإحراقه. ومن هناك قال بعضهم: ما رأيت ظالما أشبه بمظلوم من الحاسد، نفس يتصعد، وزفير يتردد، وحزن يتجدد (2).
180 - ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام في عهد كتبه لعماله على اليمن: " فإن هذا القرآن حبل الله المتين، فيه إقامة

(1) الإرماض: شدة الحرارة.
(2) ما في الحديث من البلاغة:
في الحديث استعارة تبعية، حيث شبه إذهاب الحسد للحسنات بأكل النار للحطب بجامع الأفناء في كل، واشتق من الاكل بمعنى الأفناء، يأكل بمعنى يفنى، على طريق الاستعارة التبعية، وفيه أيضا استعارة مكنية في تأكل النار، لان النار لا تأكل وإنما شبهت بحيوان يأكل وحذف رمز إليه بشئ من لوازمه وهو الاكل، وإسناد تأكل إلى ضمير النار ترشيح، وفى تأكل أيضا استعارة تبعية مثل السابقة: في الحسد بأكل الحسنات.
(٢٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 217 218 219 220 221 222 223 224 225 226 227 ... » »»
الفهرست