الحقيقة أن هناك عاليا وسافلا، وصاعدا ونازلا، وإنما أراد أن المعطى في الرتبة فوق الآخذ، لأنه المنيل المفضل والمحسن المجمل. وليس هذا في معطى الحق، وإنما هو في معطى الرفد (1) ومسترفده، وليس المراد أنه خير في الدين، بل المراد أنه خير في النفع للسائلين، وإنما كنى عليه الصلاة والسلام عن هاتين الحالتين باليدين، لان الأغلب أن يكون بهما الاعطاء والبذل، وبهما القبض والاخذ (2).
18 - ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: " إن هذه الأخلاق بيد الله، فمن شاء أن يمنحه منها خلقا حسنا فعل "، وذكر اليد هاهنا مجاز، والمراد أن الأخلاق في قبضة الله وتحت ملكة الله تعالى، فلما كان في الأكثر ما يقبضه الانسان ويملكه إنما يقبضه بيده وينقله إلى يده، خاطب عليه الصلاة والسلام بلسان العرف المتقرر عند المخاطبين وفي لغة السامعين. وقد مضى الكلام على هذا المعنى في عدة مواضع من كتبنا الموضوعة في علوم القرآن، ولا يحتمل