156 - ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: " الاحتباء حيطان العرب، والعمائم تيجان العرب "، وهاتان استعارتان عجيبتان، فأما قوله عليه الصلاة والسلام " الاحتباء حيطان العرب " فإنما أراد به أنها إذا استعملت الحبوة في قعودها، قامت لها مقام الحيطان في الاستناد إليها، والاعتماد عليها، كما تتساند الظهور إلى الجدران، أو كما يستروح الجراب إلى الأجذال (1)، وأما قوله عليه الصلاة والسلام: " والعمائم تيجان العرب " فإنما أراد أن بهاء العرب يكون بعمائمها، كما يكون بهاء ملوك العجم بتيجانها، فإن العمائم تخص الهامة، وتتمم القامة، وتفخم الجلسة، وتوقر الجلمة، حتى إن العرب لتقول على المتعارف بينها: ما سفه معتم قط. ولهذا المعنى فسر قول الفرزدق:
إذا مالك ألقى العمامة فاحذروا * بوادر كفى مالك حين تعصب (2) أراد أنه إذا ألقى العمامة طاش حمله، وخيف سطوه، وما دام معتما، فهو مأمون الهفوة، ومغمود السطوة، على مجرى عادتهم،