يقول المالك: آجرتك الدار شهرا من شهور هذه السنة، حيث يكون التمليك واقعا على منفعة الشهر الكلي في المعينة، ويكون التطبيق بيد المالك.
ولكن المقام ليس من هذا القبيل، بل المفروض أنه يقول: كل شهر كذا، فإن كان مراده أن كل ما يصدق عليه الشهر مطلقا من أي سنة طول الدهر، فما وقع عليه الإجارة جميع الشهور في تمام الدهر إلى قيام يوم القيامة، فهذا قطعا ليس بمراد، كما أنه أراد كل واحد من شهور هذه السنة، والمستأجر قبل، فيكون جميع شهور هذه السنة واقعا تحت الإجارة، فهذا ممكن ولكن خلاف الفرض.
لان الفرض أن المقدار الذي يريده المستأجر يقع تحت الإجارة، وأي مقدار لا يريده خارج عن تحت الإجارة، مع أن الإجارة عقد لازم. فإن فرضنا وقوع تمام الشهور مطلقا، أو شهور هذه السنة دفعة تحت الإجارة فليس للمستأجر رفع اليد إلا بالتقايل، ولذلك قال بعضهم يقع شهرا واحدا تحت الإجارة.
وفيه: أولا: أنه مع شمول الانشاء لجميع الشهور على نسق واحد لا وجه للحكم على أن الانشاء على شهر واحد فقط.
وثانيا: ذلك الشهر غير معين ومجهول إن كان من قبيل النكرة، أي الفرد غير المعين، بمعنى أن الإجارة واقعة على الطبيعة المقترنة بإحدى الخصوصيات، وأما إن كان واقعا على الطبيعة المبهمة المجردة عن الخصوصيات اللا بشرط، فهذا أمر معقول ولكن لابد وأن يكون التعيين بيد المالك، لان الخصوصيات له ولم تخرج عن ملكه. ومثل هذا ظاهرا ليس مقصودا للمتعاقدين مع أن العقود تابعة للقصود، وخلاف ظاهر لفظ " كل شهر كذا "، ومعلوم أن ظاهر الألفاظ حجة كاشفة عن مراد المتكلم في مقام الاثبات.
وأما ما يقال: من أنه ينصرف إلى الشهر الأول المتصل بزمان العقد، فله وجه فيما إذا قال: " آجرتك شهرا " لا في المفروض وهو " آجرتك شهر كذا ".