إن قلت: إن التوبة لو كانت صرف عدم العصيان لكان ما ذكرت حقا وصحيحا، ولكن الامر ليس التوبة صرف الترك وعدم العصيان، بل هي عبارة عن الترك، بمعنى ردع النفس ومنعها عن ارتكاب الشهوات والمحرمات للوصول إلى مراتب القدس والكمال، والاتصال المعنوي إلى حضرة ذي الجلال، وهذا المعنى لا يحصل إلا بالترك بمعنى كف النفس عن ارتكاب الملاذ المحرمة ومتابعة الشهوات، مثل الصوم الذي هو من أكبر العبادات وأفضل القربات، فإنه صرف انتراك المفطرات، بل عبارة عن إمساك النفس عن ارتكابها، ولذلك يجب فيه القصد والعزم على تركها.
والجواب: أن تلك الإرادة والقصد المتعلق بالعنوان الاجمالي يكفي في استناد الترك إلى التائب، كما أن الامر في الصوم أيضا كذلك، فلو نوى الامساك عن المفطرات التي جعلها الشارع مفطرا يكفي في تحقق الصوم وإن لم يعرفها تفصيلا، بل في نيته هذه المفطرات التي هي مكتوبة في هذه الرسالة أمسك عنها إذا سئل عن العارف بالأحكام، فكل ما عين وقال أنه مفطر أمسك عنه، فقصد ذلك العنوان الاجمالي موجب لصحة استناد هذه التروك إلى التائب، بل ذلك القصد يصير سببا لكف النفس عن ارتكاب مصاديق ذلك العنوان. وإذا سئل عنه لماذا لا تفعل كذا وكذا، يجب بأني تبت وبنيت على عدم ارتكاب هذه الأمور.
[الامر] الحادي عشر: في بيان طرق التوبة عن المعاصي.
قد عرفت أن التوبة عبارة عن الندم عن فعل ما هو محرم، أو عن ترك ما هو واجب، وهو أيضا يرجع إلى ما هو المحرم، لان ترك الواجب حرام.
والمحرمات على أقسام:
منها: ترك الواجبات العبادية، كالصلاة والصوم والزكاة والحج والخمس والكفارات والمنذورات، وطريق التوبة فيها بعد الندم على تركها فيما مضى، والعزم