الجميلة، ولم يكن مانع في البين من فعل المحرم، فلا يمكنه عادة العزم على ترك الفعل خصوصا إذا كان عاشقا لها.
وخلاصة الكلام: أن اختلاف المعاصي من حيث الكبر والصغر، ومن حيث كونها موجبة لاستحقاق العذاب الأشد والأخف، ومن حيث الاختلاف في كون بعضها أقرب إلى تطرق العفو من البعض الاخر، ومن حيث كون بعضها مما يقطع الرجاء دون البعض الاخر، ومن حيث كون بعضها مما يمنع قبول الدعاء دون الاخر، ومن حيث اختلاف الرغبات والشهوات والعادات موجب لصحة التبعيض في التوبة، فيتوب عن بعض دون البعض الاخر، فليست العلة مشتركة في الجميع كي لا يكون التفكيك والتبعيض ممكنا كما توهمه المتوهم.
ومن جملة ما يوجب التبعيض شدة العداوة لشخص، فلا يتوب عن إيذائه والافتراء عليه وغيبته وإشاعة عيوبه والازدراء به، وقد رأينا أشخاصا مجتنبين عن أكثر المعاصي الكبيرة غاية الاجتناب، ومع ذلك لا يجتنبون عن تفريط الأوقاف أو سهم الإمام عليه السلام، ويفرون من شرب الخمر أو السرقة أو قتل النفس فرار الحمر المستنفرة من قسورة، ولكن لا يتورعون بالنسبة إلى الأوقاف وسهم الإمام عليه السلام أبدا.
والحاصل، أن القول بعدم إمكان التبعيض في التوبة لما ذكروه في غاية الضعف، بل أمر ممكن، بل يقع كثيرا. ومنشأ الامكان والصحة تلك الاختلافات التي ذكرناها.
الأمر الخامس: هل يجب التوبة عن الصغائر مع اجتنابه عن الكبائر أم لا، لان التوبة عنها مع الاجتناب عن الكبائر لا أثر لها، بل يكون لغوا، لان الله تبارك وتعالى وعد العفو عن الصغائر إن اجتنب عن الكبائر، وقال في كتابه العزيز: (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما) 1.