الانتفاع بما جرت العادة بمثل ذلك الانتفاع به، فلو أعار مثلا قدرا له الطبخ فيه، أو كتابا فله المطالعة فيه، ولو كان من الكتب التي يستصحبها التلميذ للحضور في مجالس درس الأستاذ فله ذلك، ولو كان فراشا فله أن يبسطه للجلوس عليه أو النوم عليه، هو أو من يتعلق به من عياله أو أضيافه ومن يتردد عنده أو في سائر احتياجاته المتعارفة من الفراش، كل ذلك لأجل أنها أثر العارية الصحيحة، ولأجل ذلك شرعت العارية.
وإن كانت للعين المعارة منافع متعددة، كالدابة مثلا للحمل والركوب، والأرض للزرع والغرس والبناء، فإن عين المعير واحدة من تلك المنافع تعين الانتفاع بها فقط، كما أنه لو صرح بجواز الجميع يجوز له الانتفاع بالجميع.
أما لو أطلق وقال: أعرتك هذه الدابة مثلا فهل يجوز الانتفاع بجميع منافعه، أو خصوص ما جرت به العادة، أو واحدة منها تخييرا؟ احتمالات.
والظاهر هو الثاني، لأنه المتبادر من اللفظ عند عدم التصريح بجميع المنافع.
وربما ينصرف عن بعض المنافع حتى مع التصريح بجميع المنافع، فلا يجوز الانتفاع بمثل تلك المنفعة إلا مع التصريح بها بخصوصها. كل ذلك لأجل عدم الجواز إلا مع الاذن، فلابد إما أن يعلم بالاذن، أو يكون اللفظ ظاهرا فيه، فيكون بمنزلة العلم لحجية الظهورات.
فرع: وحيث أن العارية من العقود الإذنية التي قوامها بالاذن فهي جائزة من الطرفين. أما من طرف المعير، فمن جهة أنه متى رجع عن إذنه فيكون تصرف المستعير في مال الغير بدون إذن صاحبه، ومعلوم عدم جوازه. ولا يقاس بباب الإجارة، لان المنافع هناك ملك للمستأجر إلى مدة معينة، وأصالة اللزوم في الاملاك تمنع عن إرجاع المؤجر تلك المنافع إلى ملكه ثانيا، مضافا إلى سائر أدلة