أنه مسامح في الامتثال وغير معتن بتكاليفه، فالتأخير ليس في حد نفسه معصية، فلو مات قبل الامتثال ليس عليه شئ بخلاف المقام، فإن العصيان سجل عليه وصار مستحقا، وهو بواسطة التوبة يريد تحصيل العفو، فإن مات ولم يتب يبقى عليه الاستحقاق ولا مخلص منه إلا بالشفاعة، وهي له غير معلومة الحصول، فعقله يحكم عليه بفورية الامتثال.
ولو كان وجوب أصل التوبة شرعيا فعلى كلا القولين - أي سواء كان وجوبها شرعيا أم عقليا - يجب عليه المبادرة في الامتثال عقلا ولا يبقى الاستحقاق في عهدته ولا مخلص له إلا الشفاعة.
الأمر الثامن: بعد الفراغ عن أن التوبة توجب العفو عن المؤاخذة على الذنب والمعصية التي تاب عنها وأنه لا يعاقب التائب، ويكون التائب كمن لا ذنب له، فهل هذا تفضل منه تعالى، وعدم العقاب ليس لأجل عدم الاستحقاق وارتفاعه بالتوبة كي يكون العقاب بعد التوبة ظلما وصدوره عن الله قبيحا ومحالا، أولا وعدم العقاب ليس لأجل قبحه ومحاليته على الله شأن كل قبيح.
نعم حيث وعد تفضلا، ووعده حق وصدق، وخلف الوعد محال في حقه تعالى حيث قال (ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما) 1 فمن هذه الجهة لا عقاب لا من جهة ارتفاع الاستحقاق بالتوبة.
وإلا فلا يرد إشكال على كون العقاب للعصيان المتقدم، ويكون أثر التوبة هو طهارة القلب والقرب إلى الله، ولذلك العصاة كانوا يأتون إلى النبي ويقولون: طهرني يا رسول الله بالنسبة إلى الحدود، وحال عذاب الآخرة أيضا كذلك، ولا تنافي بين قبول التوبة وبقاء الاستحقاق لولا وعده بالعفو تفضلا .