الأمر السادس: في أنه إذا تاب العبد عن ذنوبه التي ارتكبها، وندم من المعاصي التي فعلها، وعزم على عدم العود إليها مرة أخرى، ورجع إليه تعالى بعد ما كان منحرفا عن الطريق المستقيم معرضا عن الله - العياذ بالله - وكان غارقا في الشهوات والملاهي والملذات، ولكن بعد أن كان مدة من الزمن تائبا راجعا إلى الحق غلبه الهوى والشهوات ثانيا، والنفس الامارة بالسوء جرته ثانيا إلى ارتكاب المعاصي والمناهي، فهل له التخلص عن عواقبه ومفاسده بالتوبة أم لا، بل يسقط عن قابلية التوبة؟
والصحيح هو أنه لو ألف مرة خالف مرة خالف عهده مع الله بالتوبة في المرة بعد الألف أيضا مثل سوابقه تقبل التوبة، ولا وجه لعدمه، لان التائب يخرج من البغي والضلال إلى الطاعة والهداية، فكان شيئا وصار شيئا آخر.
وهذا بناء على كون ملكات النفس وحالاتها عين النفس واضح لاخفاء فيه، إذ بناء على هذا النفس بالتوبة تصعد إلى الكمال، كما أنها بالعصيان - العياذ بالله - تهبط إلى النقصان، وربما ينزل إلى أضل من الحيوان، فكما أن في الأجسام نمو وذبول، كذلك في النفس بالحركة الجوهرية استكمال في جوهر ذاته وانتقاص في ذاته كذلك.
والأول في النفس مثل النمو في الجسم الذي هو عبارة عن الزيادة في الاجزاء في الجسم على النهج الطبيعي، كذلك الاستكمال زيادة في أصل جوهر النفس، أي يترقى من الجمادية إلى النباتية، ومنها إلى الحيوانية، ومنها إلى الانسانية، ومنها إلى الملكوتية.
والثاني - أي الانتقاص - مثل الذبول، فكما أن الذبول نقص في الأجزاء الأصلية للجسم، كذلك الانتقاص في النفس نقص في حقيقتها وجوهرها، وربما يصير أنقص من الحيوان في جوهر ذاته كما في الآية الشريفة، فلا معنى لعدم قبول