وأما صحة كون النصف الآخر وديعة أيضا يحتاج إلى رضا الودعي، لأنه لابد وأن يلتزم بالحفظ وتحمل المشقة في ذلك، ولا وجه للزومه عليه بدون رضائه والتزامه بذلك.
وهذا كان كثير الوقوع بالنسبة إلى قرض الدنانير في الزمان القديم والأزمنة السالفة، وإن كان في هذا الزمان لا مصداق له من جنس الدينار، ولكن في نفس هذا الزمان له مصاديق أخر كثيرة من غير الدنانير. مثلا لو اقترض كم ذراعا من فاسونة مقصوصة معينة لونها، وسائر خصوصياتها من حيث الجودة والرداءة، ففي مقام الأداء أعطى من ذلك الجنس الواجد لجميع صفاتها وخصوصياتها طاقة كبيرة بقصد أن يكون مقدار دينه وفاء له والباقي أمانة عنده.
ونظير هذا كثير في الأجناس التي هي من صنع المكائن في هذه الأزمنة، كما إذا اقترض أقراصا بقدر معين من كنين مثلا، فأعطى للمقرض قوطية من تلك الاقراض ليكون مقدار دينه وفاء وأداء له والباقي أمانة عنده، وهكذا خسائر الأجناس، ففي جميع ذلك يكون الأداء والأمانة كلاهما صحيحين مع تراضيهما، لما بينا مفصلا فلا نعيد.
فرع: لو باع العبد المأذون في التجارة متاعا وقبض الثمن، فظهر المتاع مستحقا للغير وقد تلف الثمن في يد العبد، فهل المشتري يرجع إلى السيد أو إلى العبد؟
قيل برجوعه إلى السيد، لأنه في الحقيقة طرف المعاملة، فكما لو كان هو بنفسه البائع كان للمشتري الرجوع إليه، لان المعاملة لم تقع صحيحة، فلابد من إرجاع الثمن إلى المشتري، ويد القابض كانت يد ضمان، لأنه من المقبوض بالعقد الفاسد الذي هو في حكم الغصب، فإذا كان البائع في الحقيقة هو السيد فالثمن