" أستغفر الله ربي "، وجملة " أتوب إليه ".
فحينئذ يجمع بين الروايات الواردة في هذا المقام بحمل ما يكون مفادها أن التوبة هي الاستغفار على مرتبة البلوغ إلى مقام الاثبات، وما يكون مفادها أن التوبة عبارة عن الندم والعزم على عدم العود إليه على بيان حقيقة التوبة في مقام الثبوت، وما يكون مفادها أداء الحقوق وقضاء الفرائض التي ضيعها، وإذابة اللحم الذي نبت على السحت بالأحزان، وإذاقة الجسم ألم الطاعة وأمثال المذكورات على بيان مرتبة كمالها بالعمل على طبقها، والجري على وفقها.
وعند العرف أيضا إذا أساء شخص إلى آخر وندم من إساءته، يأتي إليه ويطلب العفو والمغفرة، ويظهر ندامته بهذا أو ينشئ ندامته بهذه الجملة، فالاستغفار وإنشاء التوبة بقوله " أستغفر الله ربي وأتوب إليه " متأخر عن واقع التوبة التي هي عبارة عن نفس الندم والعزم على عدم العود إليه.
وخلاصة الكلام: أن التوبة - أي رجوع النفس عن الغي والضلال إلى طريق الرشد والهداية والكمال - لها عرض عريض، ومراتب كثيرة متفاوتة بالشدة والضعف، والنقص والكمال، وبعض الآيات والاخبار ربما يعبر عن بعض المراتب النازلة أو الكاملة، والآية أو الرواية الأخرى تعبر عن بعض آخر بعكس الطائفة الأولى، فيتوهم المتوهم التعارض بينها، أو أن للتوبة معان متعددة وهي لفظ مشترك بينها. ولكن لا هذا ولا ذاك، بل هذه الاستعمالات لأجل أنه أريد من كل واحد منها مرتبة منها غير ما أريد من الاخر، فيخيل إلى الناظر أنها معان متعددة.
الأمر الرابع: في أنه هل يمكن التبعيض في التوبة، بمعنى أنه يتوب عن بعض المعاصي دون البعض الاخر، أم لا؟
ربما يقال بعدم إمكان ذلك، لان حقيقة التوبة هي الرجوع عن مخالفة الله