مقام الاشتراط.
وخلاصة الكلام في هذا المقام: أنه بعد ما كان حقيقة المعاوضة والمبادلة إخراج كل واحد من المتعاملين ماله عن ملكه وإدخاله في ملك الاخر عوض ما ينتقل من الاخر إليه ويدخل في ملكه، فإذا كان العقد سببا لمثل هذا المعنى ولم يكن مشروطا بشرط، كالقبض في المجلس الذي هو شرط لحصول الملكية في السلف والسلم، فلا محالة تحصل ملكية كل واحد من العوضين لمن انتقل إليه بمحض تمامية العقد واجدا لجميع الاجزاء والشرائط، فاقدا لجميع الموانع، وإلا يلزم الخلف، أي ما فرضته سببا أن لا يكون سببا.
فإذا حصل لكل واحد من الطرفين ملكية ما نقله الاخر إليه بنفس العقد، فإن كان ما انتقل إليه موجودا خارجيا يكون له السلطنة عليه، ويجوز له أن يتصرف فيه التصرفات التي لم يمنع الشارع منها، وأما إذا كان في العهدة فللمالك مطالبته بإيجاده بحيث يقدر على استيفاء منافعه المملوكة إن كان من قبيل الأعمال. وبعبارة أخرى:
إن كان له في عهدة شخص مال فله حق استخراجه منه والانتفاع به.
وهذا الحق تارة يثبت له من ناحية حكم الشارع بأن الناس مسلطون على أموالهم، وهذا لا مورد له إلا فيما إذا وجد ما هو متعلق المال، وتارة من ناحية وجوب الوفاء بالعقد. وأثر ذلك وجوب إعطاء ما ملكه إلى صاحبه، فإن كان ما ملكه عين من الأعيان، كما في البيع، وجب عليه تسليم ذلك إلى صاحبه. نعم له حق الامتناع إن امتنع الطرف عن إعطاء العوض، وإذا تعاسرا يجبرهما الحاكم.
وأما إن كان عمل من الأعمال، كالعبادات التي يستأجره لان يأتي بها، كالصلاة والصوم والحج وأمثالها، فله المطالبة بإيجادها، لأنه مالك في ذمته ذلك العمل، ومع قطع النظر عن هذا أيضا يجب عليه إتيان ذلك العمل من باب وجوب الوفاء بعقده، والعمل على طبق التزامه.