الثانية: أن يتوب كما ذكرنا في المرتبة الأولى ويندم على جميع ما صدر منه من المعاصي، ولكن مع ذلك قد تصدر عنه ذنوب في مجاري حالاته، كما هو الحال في أغلب التائبين، فإنهم وإن تابوا وعزموا على الترك ولكن ربما يتسامحون ويتساهلون في حفظ أنفسهم، أو يغلب عليهم شهواتهم فيخرجون عن الجادة المستقيمة، ويرتكبون بعض المعاصي الصغيرة، بل وفي بعض الأحيان الكبيرة أيضا، ولكن هم بعد الصدور يلومون أنفسهم على ما صدر منهم، ويندمون على ما ارتكبوا وعلى خروجهم عن الجادة المستقيمة.
الثالثة: أنه بعد ما تاب وندم عما فعل وصدر منه نفسه تشتاق إلى ما تاب عنه وتأمره بالعود، ولكن لا يعود إلا في فروض نادرة، فالأول هي النفس المطمئنة التي ترجع إلى ربها راضية مرضية، الثاني هي النفس اللوامة، الثالث هي النفس الامارة بالسوء.
والتائب إن أطاع النفس الامارة بالسوء ربما ينتهي أمره - العياذ بالله - إلى سوء الخاتمة، وصيرورة الفسوق ملكة له فلا يمكن زوالها، بل ربما ينجر إلى الكفر، وقد قال الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز: (ثم كان عاقبة الذين أساؤا السوأى أن كذبوا بآيات الله) 1. نستجير بالله من سوء العاقبة والخاتمة.
[الامر] الثالث عشر: في مراتب التائبين.
وهم على أقسام:
الأول: من نسي الذنب الذي تاب منه، ولا يتفكر فيه أصلا، فكأنه لم يصدر منه شئ كشارب الخمر الذي ترك شرب الخمر وصار شرب الخمر عنده نسيا منسيا ولا يتفكر فيه أصلا، لأنه خرج من ذلك العالم بالمرة ولا يختلط مع شاربي الخمور