موجود في صورة التأخر أيضا، وليس ما ذكر من الفرق إلا مداقة لا يفهمه أهل اللسان، كما لا يخفى.
وحاصل الكلام: أن تعلق وجوبين بماهية واحدة ليس معناه إلا لزوم تعدد إيجاده، ولا معنى له غير ذلك، فالتلازم في المقامين (1) واضح.
ولذا ترى الأصحاب يذكرون أسباب الوضوء والغسل ونحو ذلك، ولا يلتفتون إلى أنه سبب لوجوبه لا لوجوده.
إذا عرفت هذا فاعلم: أن المراد بأصالة عدم التداخل قاعدة مستنبطة من أدلة الأسباب ومن فتوى الأصحاب، وإلا فلا ريب أن الأصل الأولي قبل ورود الخطاب عدم تعلق وجوبين وبراءة ذمة المكلف من الإتيان مرتين، وبعد ورود الخطاب أيضا مع قطع النظر عنه كذلك، إذ ليس الأسباب الشرعية إلا معرفات، بمعنى: كونها عللا للوجود الذهني، وذلك قابل لتعدد المسببات واتحادها، والأصل عدم لزوم مؤثر حقيقي واقعي حتى يوجب التعدد.
والامارتان لا تقتضيان إلا الواحد متيقنا، فينفي الزائد بالأصل، وبهذا جمد (2) القائلون بالتداخل، وزاد بعضهم: أن في بعض الصور كقوله: (من وطئ حائضا فليتصدق بدينار) لا يكون الواطئ الثاني خارجا عن السبب الأول، إذ الوطؤ شئ صادق على القليل والكثير، وماهيته القابلة للوجود في ضمن ألف فرد موجبة لدينار، فمن أين يجئ التعدد؟ وقس على ذلك نظائره.
فنقول: أما قبل ورود الخطاب فذلك خارج عن محل البحث، إذ ليس هناك أسباب حتى تتداخل أولا. وأما بعد الخطاب فتعدد المسبب إن كان حقيقة (3) - كالصوم والحج - فذلك قد تقدم عدم البحث فيه. وأما فيما تغاير بالاعتبار والنسبة - كصلاة تحية وحاجة ودينار وطئ ونذر ونحو ذلك - فلا ريب أن فيها ما