من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تكلم في الصلاة ناسيا فبنى على ما صلى. وبحديث: رفع عن أمتي الخطأ والنسيان الذي أخرجه ابن ماجة وابن حبان والدارقطني والطبراني والبيهقي والحاكم بنحو هذا اللفظ. (واحتجوا) لعدم فساد صلاة الجاهل بحديث معاوية بن الحكم الذي سيأتي، فإنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يأمره بالإعادة. وأجيب عن ذلك بأن عدم حكاية الامر بالإعادة لا يستلزم العدم، وغايته أنه لم ينقل إلينا فيرجع إلى غيره من الأدلة كذا قيل، ويجاب أيضا عن الاستدلال بحديث: رفع عن أمتي الخطأ والنسيان، أن المراد رفع الاثم لا الحكم، فإن الله أوجب في قتل الخطأ الكفارة، على أن الحديث مما لا ينتهض للاحتجاج به. وقد استوفى الحافظ الكلام عليه في باب شروط الصلاة من التلخيص، ويجاب عن الاحتجاج بحديث ذي اليدين بأن كلامه صلى الله عليه وآله وسلم وقع وهو غير متصل، وبناؤه على ما قد فعل قبل الكلام لا يستلزم أن يكون ما وقع قبله منها. قوله في الحديث: حتى نزلت: وقوموا لله قانتين فيه إطلاق القنوت على السكوت. قال زين الدين في شرح الترمذي: وذكر ابن العربي أن له عشرة معان قال: وقد نظمتها في بيتين بقولي:
ولفظ القنوت أعدد معانيه تجد * مزيدا على عشر معاني مرضية دعاء خشوع والعبادة طاعة * إقامتها إقرارنا بالعبودية سكوت صلاة والقيام وطوله * كذاك دوام الطاعة الرابح الفيه قوله: ونهينا عن الكلام هذه الزيادة ليست للجماعة كما يشعر به كلام المصنف، وإنما زادها مسلم وأبو داود. وقد استدل بزيادتها على مسألة أصولية، قال ابن العربي. قوله:
أمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام يعطي بظاهره أن الامر بالشئ ليس نهيا عن ضده، والكلام على ذلك مبسوط في الأصول. قال المصنف رحمه الله بعد أن ساق الحديث:
وهذا يدل على أن تحريم الكلام كان بالمدينة بعد الهجرة، لأن زيدا مدني، وقد أخبر أنهم كانوا يتكلمون خلف الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في الصلاة إلى أن نهوا، انتهى. ويؤيد ذلك أيضا اتفاق المفسرين على أن قوله تعالى: * (وقوموا لله قانتين) * (البقرة: 238) نزلت بالمدينة، ولكنه يشكل على ذلك حديث ابن مسعود الآتي بعد هذا، فإن فيه أنه لما رجع من عند النجاشي كان تحريم الكلام، وكان رجوعه من الحبشة من عند النجاشي بمكة قبل الهجرة، وقد أجاب عن ذلك ابن حبان في صحيحه فقال: توهم من لم يطلب