الله صلى الله عليه وآله وسلم جلس يعني للتشهد فافترش رجله اليسرى وأقبل بصدور اليمنى على قبلته الحديث. وبحديث عائشة الآتي. ووجه الاستدلال بهذين الحديثين وبحديثي الباب أن رواتها ذكروا هذه الصفة لجلوس التشهد ولم يقيدوه بالأول، واقتصارهم عليها من دون تعرض لذكر غيرها مشعر بأنها هي الهيئة المشروعة في التشهدين جميعا، ولو كانت مختصة بالأول لذكروا هيئة التشهد الأخير ولم يهملوه، لا سيما وهم بصدد بيان صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتعليمه لمن لا يحسن الصلاة، فعلم بذلك أن هذه الهيئة شاملة لهما. ويمكن أن يقال: إن هذه الجلسة التي ذكر هيئتها أبو حميد في هذا الحديث هي جلسة التشهد الأول بدليل حديثه الآتي، فإنه وصف هيئة الجلوس الأول بهذه الصفة، ثم ذكر بعدها هيئة الجلوس الآخر فذكر فيها التورك، واقتصاره على بعض الحديث في هذه الرواية ليس بمناف لما ثبت عنه في الرواية الأخرى، لا سيما وهي ثابتة في صحيح البخاري، ويعد ذلك الاقتصار إهمالا لبيان هيئة التشهد الأخير في مقام التصدي لصفة جميع الصلوات، لأنه ربما اقتصر من ذلك على ما تدعو الحاجة إليه، ويقال في حديث رفاعة المذكور ههنا أنه مبين بروايته المتقدمة في الباب الأول.
وأما حديث وائل وحديث عائشة فقد أجاب عنهما القائلون بمشروعية التورك في التشهد الأخير، بأنهما محمولان على التشهد الأوسط جمعا بين الأدلة، لأنهما مطلقان عن التقييد بأحد الجلوسين. وحديث أبي حميد مقيد، وحمل المطلق على المقيد واجب، ولا يخفاك أنه يبعد هذا الجمع ما قدمنا من أن مقام التصدي لبيان صفة صلاته صلى الله عليه وآله وسلم يأبى الاقتصار على ذكر هيئة أحد التشهدين وإغفال الآخر، مع كون صفته مخالفة لصفة المذكور، لا سيما حديث عائشة فإنها قد تعرضت فيه لبيان الذكر المشروع في كل ركعتين، وعقبت ذلك بذكر هيئة الجلوس، فمن البعيد أن يخص بهذه الهيئة أحدهما ويهمل الآخر، ولكنه يلوح من هذا أن مشروعية التورك في الأخير آكد من مشروعية النصب والفرش، وأما أنه ينفي مشروعية النصف والفرش فلا، وإن كان حق حمل المطلق على المقيد هو ذلك، لكنه منع من المصير إليه ما عرفناك. والتفصيل الذي ذهب إليه أحمد يرده قوله أبي حميد في حديثه الآتي: فإذا جلس في الركعة الأخيرة. وفي رواية لأبي داود: حتى إذا كانت السجدة التي فيها التسليم. وقد اعتذر ابن القيم عن ذلك بما لا طائل تحته، وقد ذكر مسلم في صحيحه من حديث ابن الزبير صفة ثالثة لجلوس التشهد الأخير، وهي أنه صلى الله