الحديث فيه مشروعية جلسة الاستراحة، وهي بعد الفراغ من السجدة الثانية وقبل النهوض إلى الركعة الثانية والرابعة. وقد ذهب إلى ذلك الشافعي في المشهور عنه وطائفة من أهل الحديث، وعن أحمد روايتان. وذكر الخلال أن أحمد رجع إلى القول بها ولم يستحبها الأكثر، واحتج لهم الطحاوي بحديث أبي أحمد الساعدي المشتمل على وصف صلاته صلى الله عليه وآله وسلم ولم يذكر فيه هذه الجلسة بل ثبت في بعض ألفاظه: أنه قام ولم يتورك كما أخرجه أبو داود قال: فيحتمل أن ما فعله في حديث مالك بن الحويرث لعلة كانت به فقعد من أجلها، لأن ذلك من سنة الصلاة، ثم قوى ذلك بأنها لو كانت مقصودة لشرع لها ذكر مخصوص، وتعقب بأن الأصل عدم العلة، وبأن مالك بن الحويرث هو راوي حديث: صلوا كما رأيتموني أصلي فحكاياته لصفات صلاة رسول الله (ص) داخلة تحت هذا الامر. وحديث أبي حميد يستدل به على عدم وجوبها، وأنه تركها لبيان الجواز لا على عدم مشروعيتها، على أنها لم تتفق الروايات عن أبي حميد في نفي هذه الجلسة، بل أخرج أبو داود والترمذي وأحمد عنه من وجه آخر بإثباتها. وأما الذكر المخصوص فإنها جلسة خفيفة جدا استغنى فيها بالتكبير المشروع للقيام. (واحتج بعضهم) على نفي كونها سنة بأنها لو كانت كذلك لذكرها كل من وصف صلاته، وهو متعقب بأن السنن المتفق عليها لم يستوعبها كل واحد ممن وصف صلاته، إنما أخذ مجموعها عن مجموعهم.
(واحتجوا أيضا) على عدم مشروعيتها بما وقع في حديث وائل بن حجر عند البزار بلفظ: كان إذا رفع رأسه من السجدتين استوى قائما وهذا الاحتجاج يرد على من قال بالوجوب لا من قال بالاستحباب لما عرفت، على أن حديث وائل قد ذكره النووي في الخلاصة في فصل الضعيف. (واحتجوا) أيضا بما أخرجه الطبراني من حديث معاذ أنه كان يقوم كأنه السهم، وهذا لا ينفي الاستحباب المدعي على أن في إسناده متهما بالكذب، وقد عرفت مما قدمنا في شرح حديث المسئ أن جلسة الاستراحة مذكورة فيه عند البخاري وغيره، لا كما زعمه النووي من أنها لم تذكر فيه، وذكرها فيه يصلح للاستدلال به على وجوبها، لولا ما ذكرنا فيما تقدم من إشارة البخاري إلى أن ذكر هذه الجلسة وهم، وما ذكرنا أيضا من أنه لم يقل بوجوبها أحد، وقد صرح بمثل ذلك الحافظ في الفتح. (ومن جملة) ما احتج به القائلون بنفي استحبابها حديث وائل بن حجر عند أبي داود المتقدم قبل حديث الباب. وما روى ابن المنذر عن النعمان بن أبي عياش