نيل الأوطار - الشوكاني - ج ٢ - الصفحة ٢٢٨
علي آنفا سورة فقرأ * (بسم الله الرحمن الرحيم، إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر) * ثم قال: أتدرون ما الكوثر؟ قال: وذكر الحديث، رواه أحمد ومسلم والنسائي.
تمام الحديث: قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: إنه نهر وعدنيه ربي عز وجل عليه خير كثير، وهو حوض يرد عليه أمتي يوم القيامة، آنيته عدد نجوم السماء فيختلج العبد منهم، فأقول: رب إنه من أمتي؟ فيقول: ما تدري ما أحدث بعدك هذا الحديث من جملة أدلة من أثبت البسملة وقد تقدم ذكرهم. ومن أدلتهم على إثباتها ما ثبت في المصاحف منها بغير تمييز، كما ميزوا أسماء السور وعدد الآي بالحمرة أو غيرها مما يخالف صورة المكتوب قرآنا. (وأجاب عن ذلك القائلون) بأنها ليست من القرآن، أنها ثبتت للفصل بين السور، وتخلص القائلون بإثباتها عن هذا الجواب بوجوه: الأول أن هذا تغرير ولا يجوز ارتكابه لمجرد الفصل.
الثاني: لو كان للفصل لكتبت بين براءة والأنفال ولما كتبت في أول الفاتحة. الثالث: أن الفصل كان ممكنا بتراجم السور كما حصل بين براءة والأنفال. ومن جملة حجج المثبتين ما تقدم من الأحاديث المصرحة بأنها آية من الفاتحة، وأجاب من لم يثبتها بأن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر ولا تواتر لا سيما مع ورود الأدلة الدالة على أنها ليست بقرآن، كحديثي أبي هريرة المتقدم ذكرهما في هذا الباب، وحديث إتيان جبريل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وقوله: * (اقرأ باسم ربك الذي خلق) * (سورة العلق: 1) رواه البخاري ومسلم وسائر الأحاديث المتقدمة في الباب الأول. وبإجماع أهل العدد على ترك عدها آية من غير الفاتحة، وتخلص المثبتون عن قولهم لا يثبت القرآن إلا بالتواتر بوجهين: الأول أن إثباتها في المصحف في معنى التواتر، وقد صرح عضد الدين أن الرسم دليل علمي. الثاني: أن التواتر إنما يشترط فيما يثبت قرآنا على سبيل القطع، فأما ما ثبت قرآنا على سبيل الحكم فلا، والبسملة قرآن على سبيل الحكم. (ومن جملة) ما أجيب به أن عدم تواترها ممنوع لأن بعض القراء السبعة أثبتها، والقراءات السبع متواترة فيلزم تواترها، والاختلاف لا يستلزم عدم التواتر، فكثيرا ما يقع لبعض الباحثين ولا يقع لمن لم يبحث كل البحث، ومحل البحث الأصول، فمن رام الاستيفاء فليراجع مطولاته.
وعن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يعرف فصل السورة حتى ينزل عليه بسم الله الرحمن الرحيم رواه أبو داود.
(٢٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 223 224 225 226 227 228 229 230 231 232 233 ... » »»
الفهرست