عن ابن عباس، ذكره النيسابوري في التيسير، وهذا جمع حسن إن صح أن هذا كان السبب في ترك الجهر. وقد قال في مجمع الزوائد: إن رجاله موثقون. وقد ذكر ابن القيم في الهدى أن النبي (ص) كان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم تارة ويخفيها أكثر مما جهر بها، ولا ريب أنه لم يكن يجهر بها دائما في كل يوم وليلة خمس مرات أبدا حضرا وسفرا، ويخفي ذلك على خلفائه الراشدين وعلى جمهور أصحابه وأهل بلده في الأعصار الفاضلة، هذا من أمحل المحال حتى يحتاج إلى التشبث فيه بألفاظ مجملة وأحاديث واهية، فصحيح تلك الأحاديث غير صريح وصريحها غير صحيح انتهى.
وحجج بقية الأقوال التي فيها التفصيل في الجهر والاسرار وجواز الامرين مأخوذة من هذه الأدلة فلا نطول بذكرها. وأما أدلة المثبتين لقرآنية البسملة والنافين لقرآنيتها فيأتي ذكر طرف منها في الباب الذي بعد هذا. وهذه المسألة طويلة لذيل، وقد أفردها جماعة من أكابر العلماء بتصانيف مستقلة ومن آخر ما وقع رسالة جمعتها في أيام الطلب مشتملة على نظم ونثر أجبت بها على سؤال ورد، وأجاب عنه جماعة من علماء العصر، فلنقتصر في هذا الشرح على هذا المقدار، وإن كان بالنسبة إلى ما في المسألة من التطويل نزرا يسيرا، ولكنه لا يقصر عن إفادة المنصف ما هو الصواب في المسألة، وأكثر ما في المقام الاختلاف في مستحب أو مسنون فليس شئ من الجهر، وتركه يقدح في الصلاة يبطلان بالاجماع، فلا يهولنك تعظيم جماعة من العلماء لشأن هذه المسألة والخلاف فيها، ولقد بالغ بعضهم حتى عدها من مسائل الاعتقاد.
وعن ابن عبد الله بن مغفل قال: سمعني أبي وأنا أقول بسم الله الرحمن الرحيم، فقال:
يا بني إياك والحدث، قال: ولم أر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجلا كان أبغض إليه حدثا في الاسلام منه، فإني صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر ومع عمر ومع عثمان فلم أسمع أحدا منهم يقولها فلا تقلها، إذا أنت قرأت فقل: الحمد لله رب العالمين رواه الخمسة إلا أبا داود.