النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ليلة مظلمة فلم ندر أين القبلة وصلى كل رجل منا على حياله، فلما أصبحنا ذكرنا ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فنزل: * (فأينما تولوا فثم وجه الله) * (البقرة: 115) فإن الاستقبال لو كان شرطا لوجبت الإعادة في الوقت وبعده، لأن الشرط يؤثر عدمه في العدم، مع أن الهادوية يوافقون في عدم وجوب الإعادة بعد الوقت، وهو يناقض قولهم: إن الاستقبال شرط، وهذا الحديث وإن كان فيه مقال عند المحدثين ولكن له شواهد تقويه: منها حديث جابر عند البيهقي بلفظ: صلينا ليلة في غيم وخفيت علينا القبلة، فلما انصرفنا نظرنا فإذا نحن قد صلينا إلى غير القبلة، فذكرنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: قد أحسنتم ولم يأمرنا أن نعيد وله طريق أخرى عنه بنحو هذه وفيها أنه قال صلى الله عليه وآله وسلم: قد أجزأت صلاتكم ولكنه تفرد به محمد بن سالم ومحمد بن عبيد الله العرزمي عن عطاء وهما ضعيفان. وكذا قال الدارقطني، قال البيهقي: وكذلك روي عن عبد الملك العرزمي عن عطاء،، ثم رواه من طريق أخرى بنحو ما هنا وقال: لا نعلم لهذا الحديث إسنادا صحيحا قويا، والصحيح أن الآية إنما نزلت في التطوع خاصة كما في صحيح مسلم، وسيأتي ذلك في باب تطوع المسافر. ومنها حديث معاذ عند الطبراني في الأوسط بلفظ:
صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في يوم غيم في سفر إلى غير القبلة، فلما قضى الصلاة وسلم تجلت الشمس فقلنا: يا رسول الله صلينا إلى غير القبلة، فقال: قد رفعت صلاتكم بحقها إلى الله عز وجل وفي إسناده أبو عبلة واسمه شمر بن عطاء وقد ذكره ابن حبان في الثقات. وهذه الأحاديث يقوي بعضها بعضا فتصلح للاحتجاج بها، وفي حديث معاذ التصريح بأن ذلك كان بعد الفراغ من الصلاة قبل انقضاء الوقت وهو أصرح في الدلالة على عدم الشرطية، وفيها أيضا رد لمذهب من فرق في وجوب الإعادة بين بقاء الوقت وعدمه.
وعن ابن عمر قال: بينما الناس بقبا في صلاة الصبح إذ جاءهم آت فقال: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن وقد أمر أن يستقبل القبلة فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة متفق عليه. وعن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يصلي نحو بيت المقدس فنزلت * (قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام) * (البقرة: 144) فمر رجل