ودعوى أنه بدعة مستحسنة باطلة، وقد عرفناك وجه بطلانها في شرح حديث: من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد في باب الصلاة في ثوب الحرير والغصب ودعوى أنه مرغب إلى المسجد فاسدة، لأن كونه داعيا إلى المسجد ومرغبا إليه، لا يكون إلا لمن كان غرضه وغاية قصده النظر إلى تلك النقوش والزخرفة، فأما من كان غرضه قصد المساجد لعبادة الله التي لا تكون عبادة على الحقيقة إلا مع خشوع، وإلا كانت كجسم بلا روح، فليست إلا شاغلة عن ذلك، كما فعله صلى الله عليه وآله وسلم في الانبجانية التي بعث بها إلى أبي جهم. وكما تقدم من هتكه للستور التي فيها نقوش. وكما سيأتي في باب تنزيه قبلة المصلي عما يلهي، وتقويم البدع المعوجة التي يحدثها الملوك، توقع أهل العلم في المسالك الضيقة فيتكلفون لذلك من الحجج الواهية ما لا ينفق إلا على بهيمة.
وعن أنس: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد رواه الخمسة إلا الترمذي. وقال البخاري: قال أبو سعيد:
كان سقف المسجد من جريدة النخل، وأمر عمر ببناء المسجد وقال: أكن الناس من المطر وإياك أن تحمر أو تصفر فتفتن الناس.
الحديث صححه ابن خزيمة، وأورده البخاري عن أنس تعليقا بلفظ: يتباهون بها ثم لا يعمرونها إلا قليلا ووصله أبو يعلى الموصلي في مسنده. وروى الحديث أبو نعيم في كتاب المساجد من الوجه الذي عند ابن خزيمة بلفظ: يتباهون بكثرة المساجد. قوله: حتى يتباهى الناس في المساجد أي يتفاخرون في بناء المساجد، والمباهاة بها كما في رواية البخاري أن يتفاخروا بها بالنقش والكثرة. وروي في شرح السنة بسنده عن أبي قلابة قال: غدونا مع أنس بن مالك إلى الزاوية فحضرت صلاة الصبح فمررنا بمسجد فقال أنس: أي مسجد هذا؟ قالوا: مسجد أحدث الآن، فقال أنس: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: سيأتي على الناس زمان يتباهون في المساجد ثم لا يعمرونها إلا قليلا. قوله: وقال أكن الناس قال الحافظ:
وقع في روايتنا أكن الناس بضم الهمزة وكسر الكاف وتشديد النون المضمومة بلفظ المضارع من أكن الرباعي، يقال: أكننت الشئ اكنانا أي صنته وسترته، وحكى أبو زيد: كننته من الثلاثي بمعنى أكننته، وفرق الكسائي بينهما فقال: كننته أي سترته، وأكننته في نفسي أي أسررته. ووقع في رواية الأصيلي أكن بفتح الهمزة والنون فعل أمر من الأكنان أيضا، ويرجحه قوله قبله: وأمر عمر، وقوله بعده: وإياك، وتوجه الأولى بأنه خاطب القوم بما أراد، ثم التفت إلى الصانع فقال له: