فيكون من تدليس التسوية بإسقاط نافع بن عطاء وابن عمر فيرجع إلى الحديث الأول وهو المشهور اه. والحديث له طرق عديدة عقد له البيهقي بابا وبين عللها.
واعلم أن بيع العينة هو أن يبيع سلعة بثمن معلوم إلى أجل ثم يشتريها من المشتري بأقل ليبقى الكثير في ذمته وسميت عينة لحصول العين أي النقد فيها ولأنه يعود إلى البائع عين ماله. وفيه دليل على تحريم هذا البيع وذهب إليه مالك وأحمد وبعض الشافعية عملا بالحديث قالوا ولما فيه من تفويت مقصد الشارع من المنع عن الربا وسد الذرائع مقصود. قال القرطبي: لان بعض صور هذا البيع تؤدي إلى بيع التمر بالتمر متفاضلا ويكون الثمن لغوا. وأما الشافعي فنقل عنه أنه قال بجوازه أخذا من قوله (ص) في حديث أبي سعيد وأبي هريرة الذي تقدم: بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبا. قال فإنه دال على جواز بيع العينة فيصح أن يشتري ذلك البائع له ويعود له عين ماله لأنه لما لم يفصل ذلك في مقام الاحتمال دل على صحة البيع مطلقا سواء كان من البائع أو غيره.
وذلك لان ترك الاستفصال في مقام الاحتمال يجري مجرى العموم في المقال. وأيد ما ذهب إليه الشافعي بأنه قد قام الاجماع على جواز البيع من البائع بعد مدة لا لأجل التوصل إلى عوده إليه بالزيادة. وقالت الهادوية: يجوز البيع من البائع إذا كان غير حيلة ولا فرق بين التعجيل والتأجيل وبأن المعتبر في ذلك وجود الشرط في أصل العقد وعدمه فإذا كان مشروطا عند العقد أو قبله على عوده إلى البائع فالبيع فاسد أو باطل على الخلاف وإن كان مضمرا غير مشروط فهو صحيح ولعلهم يقولون: حديث العينة فيه مقال فلا ينتهض دليلا على التحريم. وقوله: وأخذتم أذناب البقر كناية عن الاشتغال عن الجهاد بالحرث. والرضا بالزرع كناية عن كونه قد صار همهم وهمتهم وتسليط الله كناية عن جعلهم أذلاء بالتسليط لما في ذلك من الغلبة والقهر. وقوله: حتى ترجعوا إلى دينكم أي ترجعوا إلى الاشتغال بأعمال الدين. وفي هذه العبارات زجر بالغ وتقريع شديد حتى جعل ذلك بمنزلة الردة وفيه الحث على الجهاد.
12 - (وعن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي (ص) قال: من شفع لأخيه شفاعة فأهدى له هدية فقبلها فقد أتى بابا عظيما من أبواب الربا رواه أحمد وأبو داود وفي إسناده مقال). فيه دليل على تحريم الهدية في مقابلة الشفاعة وظاهره سواء كان قاصدا لذلك عند الشفاعة أو غير قاصد لها. وتسميته ربا من باب الاستعارة للشبه بينهما وذلك لان الربا هو الزيادة في المال من الغير لا في مقابلة عوض وهذا مثله. ولعل المراد إذا كانت الشفاعة في واجب كالشفاعة عند السلطان في إنقاذ المظلوم من يد الظالم أو كانت في محظور كالشفاعة عنده في تولية ظالم على الرعية فإنها في الأولى واجبة فأخذ الهدية في مقابلها محرم والثانية محظورة فقبضها في مقابلها محظور.