إنه لا يجبرها وإن لم تبلغ، وهو قول أبي تمام، والذي حكيناه عن مالك هو الذي حكاه أهل مسائل الخلاف كابن القصار، وغيره عنه. وسبب اختلافهم: معارضة دليل الخطاب للعموم، وذلك أن قوله عليه الصلاة والسلام تستأمر اليتيمة في نفسها ولا تنكح اليتيمة إلا بإذنها يفهم منه أن ذات الأب لا تستأمر إلا ما أجمع عليه الجمهور من استئمار الثيب البالغ، وعموم قوله عليه الصلاة والسلام الثيب أحق بنفسها من وليها يتناول البالغ وغير البالغ، وكذلك قوله لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح حتى تستأذن يدل بعمومه على ما قاله الشافعي. ولاختلافهم في هاتين المسألتين سبب آخر: وهو استنباط القياس من موضع الاجماع، وذلك أنهم لما أجمعوا على أن الأب يجبر البكر غير البالغ، وأنه لا يجبر الثيب البالغ إلا خلافا شاذا فيهما جميعا كما قلنا اختلفوا في موجب الاجبار هل هو البكارة أو الصغر؟ فمن قال الصغر قال: لا تجبر البكر البالغ، ومن قال البكارة قال: تجبر البكر البالغ ولا تجبر الثيب الصغيرة، ومن قال كل واح منهما يوجب الاجبار إذا انفرد قال:
تجبر البكر البالغ والثيب الغير البالغ، والتعليل الأول تعليل أبي حنيفة، والثاني تعليل الشافعي، والثالث تعليل مالك، والأصول أكثر شهادة لتعليل أبي حنيفة. واختلفوا في الثيوبة التي ترفع الاجبار وتوجب النطق بالرضا أو الرد، فذهب مالك وأبو حنيفة إلى أنها الثيوبة التي تكون بنكاح صحيح أو شبهة نكاح أو ملك، وأنها لا تكون بزنا ولا بغصب، وقال الشافعي: كل ثيوبة ترفع الاجبار. وسبب اختلافهم هل يتعلق الحكم بقوله عليه الصلاة والسلام: (الثيب أحق بنفسها من وليها) بالثيوبة الشرعية أم بالثيوبة اللغوية؟ واتفقوا على أن الأب يجبر ابنه الصغير على النكاح، وكذلك ابنته الصغيرة البكر، ولا يستأمرها لما ثبت: (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة رضي الله عنها بنت ست أو سبع وبنى بها وهي بنت تسع بإنكاح أبي بكر رضي الله عنه إلا ما روي من الخلاف عن ابن شبرمة. واختلفوا من ذلك في مسألتين: إحداهما: هل يزوج الصغيرة غير الأب؟ والثانية: هل يزوج الصغير غير الأب؟ فأما هل يزوج الصغيرة غير الأب أم لا؟ فقال الشافعي: يزوجها الجد أبو الأب والأب فقط، وقال مالك: لا يزوجها إلا الأب فقط، أو من جعل الأب له ذلك إذا عين الزوج إلا أن يخاف عليها الضيعة والفساد، وقال أبو حنيفة: يزوج الصغيرة كل من له عليها ولاية من أب وقريب وغير ذلك، ولها الخيار إذا بلغت. وسبب اختلافهم: معارضة العموم للقياس، وذلك أن قوله عليه الصلاة والسلام والبكر تستأمر وإذنها صماتها يقتضي العموم في كل بكر إلا ذات الأب التي خصصها الاجماع، إلا الخلاف الذي ذكرناه، وكون سائر الأولياء معلوما منهم النظر والمصلحة لولايتهم يوجب أن يلحقوا بالأب في هذا المعنى، فمنهم من ألحق به جميع الأولياء ومنهم من ألحق به الجد فقط، لأنه فمعنى الأب إذ كان أبا أعلى، وهو الشافعي، ومن قصر ذلك على الأب رأى أن ما للأب في ذلك غير موجود