على نفسها، أعني أن لا تكون هي التي تلي العقد بل الأظهر منه أنه إذا أذن الولي لها جاز أن تعقد على نفسها دون أن تشترط في صحة النكاح إشهاد الولي معها. وأما ما احتج به الفريق الآخر من قوله تعالى: * (فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن من معروف) * فإن المفهوم منه النهي عن التثريب عليهن فيما استبددن بفعله دون أوليائهن، وليس ههنا شئ يمكن أن تستبد به المرأة دون الولي إلا عقد النكاح. فظاهر هذه الآية - والله أعلم - أن لها أن تعقد النكاح وللأولياء الفسخ إذا لم يكن بالمعروف وهو الظاهر من الشرع إلا أن هذا لم يقل به أحد، وأن يحتج ببعض ظاهر الآية على رأيهم ولا يحتج ببعضها فيه ضعف. وأما إضافة النكاح إليهن فليس فيه دليل على اختصاصهن بالعقد، لكن الأصل هو الاختصاص إلا أن يقوم الدليل على خلاف ذلك. وأما حديث ابن عباس فهو لعمري ظاهر في الفرق بين الثيب والبكر، لأنه إذا كان كل واحد منهما يستأذن ويتولى العقد عليهما الولي فبماذا ليت شعري تكون الأيم أحق بنفسها من وليها؟ وحديث الزهري هو أن يكون موافقا هذا الحديث أحرى من أن يكون معارضا له، ويحتمل أن تكون التفرقة بينهما في السكوت والنطق فقط، ويكون السكوت كافيا في العقد والاحتجاج بقوله تعالى: * (فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف) * هو أظهر في أن المرأة تلي العقد من الاحتجاج بقوله: * (ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا) * على أن الولي هو الذي يلي العقد. وقد ضعفت الحنفية حديث عائشة، وذلك أنه حديث رواه جماعة عن ابن جريج عن الزهري.
وحكى ابن علية عن ابن جريج أنه سأل الزهري عنه فلم يعرفه، قالوا: والدليل على ذلك أن الزهري لم يكن يشترط الولاية، ولا الولاية من مذهب عائشة. وقد احتجوا أيضا بحديث ابن عباس أنه قال لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل ولكنه مختلف في رفعه. وكذلك اختلفوا أيضا في صحة الحديث الوارد في نكاح النبي عليه الصلاة والسلام أم سلمة وأمره لابنها أن ينكحها إياه. وأما احتجاج الفريقين من جهة المعاني فمحتمل، وذلك أنه يمكن أن يقال إن الرشد إذا وجد في المرأة اكتفي به في عقد النكاح كما يكتفى به في التصرف في المال، ويشبه أن يقال إن المرأة مائلة بالطبع إلى الرجال أكثر من ميلها إلى تبذير الأموال، فاحتاط الشرع بأن جعلها محجوزة في هذا المعنى على التأبيد، مع أن ما يلحقها من العار في إلقاء نفسها في غير موضع كفاءة يتطرق إلى أوليائها، لكن يكفي في ذلك أن يكون للأولياء الفسخ أو الحسبة، والمسألة محتملة كما ترى، ولكن الذي يغلب على الظن أنه لو قصد الشارع اشتراط الولاية لبين جنس الأولياء وأصنافهم ومراتبهم، فإن تأخر البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، فإذا كان لا يجوز عليه - عليه الصلاة والسلام - تأخير البيان عن وقت