باب الخاص أريد به الخاص. وأما الجمهور من فقهاء الأمصار، فإنهم اتفقوا على أنه من باب الخاص أريد به العام، واختلفوا في المعنى العام الذي وقع التنبيه عليه بهذه الأصناف:
أعني في مفهوم علة التفاضل ومنع النساء فيها. فالذي استقر عليه حذاق المالكية أن سبب منع التفاضل أما في الأربعة، فالصنف الواحد من المدخر المقتات، وقد قيل الصنف الواحد المدخر وإن لم يكن مقتاتا. ومن شرط الادخار عندهم أن يكون في الأكثر، وقال بعض أصحابه: الربا في الصنف المدخر وإن كان نادر الادخار. وأما العلة عندهم في منع التفاضل في الذهب والفضة فهو الصنف الواحد أيضا مع كونهما رؤوسا للأثمان وقيما للمتلفات، وهذه العلة هي التي تعرف عندهم بالقاصرة، لأنها ليست موجودة عندهم في غير الذهب والفضة. أما علة منع النساء عند المالكية في الأربعة المنصوص عليها فهو الطعم والادخار دون اتفاق الصنف، ولذلك إذا اختلفت أصنافها جاز عندهم التفاضل دون النسيئة، ولذلك يجوز التفاضل عندهم في المطعومات التي ليست مدخرة أعني في الصنف الواحد منها، ولا يجوز النساء. أما جواز التفاضل، فلكونها ليست مدخرة، وقد قيل إن الادخار شرط في تحريم التفاضل في الصنف الواحد. وأما منع النساء فيها فلكونها مطعومة مدخرة، وقد قلنا إن الطعم بإطلاق علة لمنع النساء في المطعومات. وأما الشافعية فعلة منع التفاضل عندهم في هذه الأربعة هو الطعم فقط مع اتفاق الصنف الواحد. وأما علة النساء فالطعم دون اعتبار الصنف مثل قول مالك، وأما الحنفية فعلة منع التفاضل عندهم في الستة واحدة وهو الكيل أو الوزن مع اتفاق الصنف، وعلة النساء فيها اختلاف الصنف ما عدا النحاس والذهب، فإن الاجماع انعقد على أنه يجوز فيها النساء، ووافق الشافعي مالكا في علة منع التفاضل والنساء في الذهب والفضة، أعني أن كونهما رؤوسا للأثمان وقيما للمتلفات هو عندهم علة مع النسيئة إذا اختلف الصنف، فإذا اتفقا منع التفاضل. والحنفية تعتبر في المكيل قدرا يتأتى فيه الكيل، وسيأتي أحكام الدنانير والدراهم بما يخصها في كتاب الصرف، وأما ههنا فالمقصود هو تبيين مذاهب الفقهاء في علل الربا المطلق في هذه الأشياء، وذكر عمدة دليل كل فريق منهم، فنقول: إن الذين قصروا صنف الربا على هذه الأصناف الستة فهم أحد صنفين: إما قوم نفوا القياس في الشرع: أعني استنباط العلل من الألفاظ وهم الظاهرية، وإما قوم نفوا قياس الشبه وذلك أن جميع من ألحق المسكوت عنه ههنا بالمنطوق به، فإنما ألحقه بقياس الشبه لا بقياس العلة، إلا ما حكي عن ابن الماجشون أنه اعتبر في ذلك المالية وقال: علة منع الربا إنما هي حياطة الأموال، يريد منع العين. وأما القاضي أبو بكر الباقلاني فلما كان قياس الشبه عنده ضعيفا، وكان قياس المعنى عنده أقوى منه اعتبر في هذا الموضع قياس المعنى، إذ لم يتأت له قياس علة، فألحق الزبيب فقط بهذه الأصناف الأربعة، لأنه زعم أنه في معنى التمر. ولكل واحد من هؤلاء: أعني من القائلين دليل في استنباط الشبه الذي اعتبره في إلحاق المسكوت