قال النووي في شرح المهذب: وليس له أي للعامي التمذهب بمذهب أحد الصحابة رضي الله تعالى عنهم وغيرهم من الأولين، وإن كانوا أعلم وأعلى درجة ممن بعدهم لأنهم لم يتفرغوا لتدوين العلم وضبط أصوله وفروعه فليس لأحد منهم مذهب محرر مقرر (ويحفظ المستفتي الأدب مع المفتي ويجله) لأن العماء ورثة الأنبياء، (ولا يومي بيده في وجهه ولا يقل وما مذهب إمامك في كذا وما تحفظ في كذا؟ أو أفتاني غيرك أو) أفتاني (فلان بكذا أو قلت أنا) كذلك، (أو وقع لي) كذلك (أو إن كان جوابك موافقا فاكتب) ونحو ذلك مما ينافي الأدب. (لكن إن علم) المفتي (غرض السائل في شئ لم يجز) له (أن يكتب) في رقعته (بغيره) لأنه يفسد عليه رقعته ويحوجه إلى إبدالها (ويكره) للمستفتي (أن يسأله) أي المفتي (في حال ضجر أو هم أو) عند (قيامه أو نحوه) كنعاسه وكل ما يشغل الفكر (ولا يطالبه بالحجة) أي لا يطالب المستفتي من المفتي الدليل على ما قاله لأن فيه اتهاما له، (ويجوز تقليد المفضول من المجتهدين) مع وجود أفضل منه لأن المفضول من الصحابة والسلف كان يفتى مع الفاضل منهم مع الاشتهار والتكرار، ولم ينكر ذلك أحد فكان إجماعا. وقال (ص): أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم وفيهم الأفضل من غيره. وأيضا العامي لا يمكنه الترجيح لقصوره عنه.
فائدة: لا يجوز التقليد في معرفة الله تعالى والتوحيد والرسالة ذكره القاضي وابن عقيل وأبو الخطاب وذكره عن عامة العلماء وذكره غيره أنه قول جمهور العلماء واستدل لذلك بأمره تعالى بالتدبر والتفكر. وفي صحيح ابن حبان: لما نزل قوله تعالى: * (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب) *.
قال: ويل لمن قرأهن ولم يتدبرهن، ويل له ويل له والاجماع على وجوب معرفة الله تعالى ولا تحصل بتقليد لجواز كذب المخبر واستحالة حصوله لمن قلد في حدوث العالم، وكمن قلد في قدمه، ولان التقليد لو أفاد علما فإما بالضرورة وهو باطل وإما بالنظر فيستلزم الدليل