أن علة الرخصة لهم الحاجة فإذا ورد الترخيص مطلقا في موضع آخر لم يجب تقييدها بذلك المعنى الذي ظنناه وهو الحاجة ليس معتبرا بل كانت الرخصة لهم لأنهم أصحاب الواقعة وغيرهم في حكمهم وأما أن تكون حاجتهم اقتضت مشروعية ذلك لهم ولغيرهم فان الحكم قد ثبت عاما لمعنى موجود في بعض الناس كقوله تعالى (ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث) والمراد إما الصحابة والعرب وإما النفوس الكريمة وعلى كل تقدير فهم بعض الأمة فما تنفر عنه طباعهم فهو الخبائث وما تميل إليه فهو الطيبات وغيرهم تبع لهم في ذلك وقد يكون الحكم ثابتا لعلة توجد في الكثير قطعا وتعدم في القليل قطعا كالاسكار وقد يكون ثابتا لعلة في زمان النبي صلى الله عليه وسلم ثم زالت كالرمل المشروع لاظهار الجلد والقوة قال ابن عبد السلام (1) وبقاء هذا الحكم لسبب يخلف ذلك السبب الأول وهو انا نتذكر في زماننا سبب هذا الفعل لان النفس طالبة للتعليل فنطلع على السبب الأول فنعلم حينئذ أن الله تعالى كثرنا بعد القلة وأعزنا بعد الذلة وأن الاسلام أظهره الله على الدين كله ونتذكر أحوال السلف الصالح وهذه فائدة جاءت استطرادا (فان قلت) لم يرد أيضا لفظ مطلق في الرخصة من الشارع حتى يتمسك به وإنما الألفاظ التي وردت في ذلك كلها من الرواة يذكرون أن النبي صلى الله عليه وسلم أرخص في العرايا وهذه حكاية حال لا عموم فيها ولا إطلاق فجاز أن يكون مرادهم بتلك الرخصة التي صدرت
(٢٧)