وقال الشافعي: يعمل على الجرح دون التعديل. وقال أبو حنيفة: يقبل الأمرين فيقاس الجرح على التزكية (1)، يجوز الشهادة على الوقف والولاء والعتق والنكاح بالاستفاضة، كالملك المطلق والنسب، لأنه لا خلاف أنه يجوز لنا الشهادة على أزواج النبي (عليه السلام)، ولم يثبت ذلك إلا بالاستفاضة.
وأما الوقف فمبني على التأبيد فلو لم تجز الشهادة فيه بالاستفاضة لأدى إلى بطلان الوقوف، فإن شهود الأصل لا يبقون.
وللشافعي فيه وجهان: قال الأصطخري مثل ما قلناه، وقال غيره لا يثبت شئ من ذلك بالاستفاضة، ولا يشهد عليها بملك (2). لا يثبت الوقف بشهادة واحد مع يمين المدعي، لأن الوقف ليس بمال للموقوف عليه بل له الانتفاع به فقط. والأخبار الواردة بالشاهد الواحد مع اليمين مختصة بالأموال.
وللشافعي فيه قولان، بناء على الوقف إلى من ينتقل، فإذا قال: ينتقل إلى الله فلا يثبت إلا بشاهدين، وإذا قال ينتقل إلى الموقوف عليه يثبت بشاهد واحد ويمين (3).
واعلم أنه ينبغي للحاكم أن يفرد الوقت الذي يجلس فيه للحكم له خاصة، ولا يشوبه بأمر آخر سواه، وأن لا يجلس وهو غضبان ولا جائع ولا عطشان ولا مشغول القلب بشئ من الأشياء، ويجلس مستدبر القبلة وعليه السكينة والوقار، وينزه مجلسه عن الدعابة و المجون، ويوطن نفسه على إقامة الحق والقوة في طاعة الله.
وينبغي أن يسوي بين الخصمين في المحل واللحظ والإشارة، ولا يبدأهما بخطاب إلا أن يطيلا الصمت، فحينئذ يقول لهما: إن كنتما حضرتما لأمر فاذكراه، فإن أمسكا أقامهما، وإن ادعى أحدهما على الآخر لم يسمع دعواه إلا أن تكون مستندة إلى علم مثل أن يقول: أستحق [عليه]، أو ما أفاد هذا المعنى، ولو قال: أدعي عليه كذا [226 / ب] أو أتهمه بكذا، لم يصح للجهالة، وإذا صحت الدعوى أقبل الحاكم على الخصم فقال: ما تقول فيما ادعاه، فإن أقر به أو كان ممن يقبل إقراره للحرية والبلوغ وكمال العقل والإيثار للإقرار، ألزمه الخروج إلى خصمه منه، فإن أبى أمر بملازمته، فإن آثر صاحب الحق حبسه حبسه، وإن آثر إثبات اسمه