عن الزامهم ابتداءا بأحكام الاسلام، وأما عند ترافعهم إلى الحاكم الاسلامي وايكالهم الأمر إليه وتسليمهم لدى نظره فليس له أن يترك الحكم الشرعي المكتوب على كل المكلفين وارجاعهم إلى حكامهم فبحسب الأدلة الكلية يشكل الحكم بالتخيير بل مقتضى القواعد الشرعية هو تعين الحكم بحسب الأحكام الاسلامية.
وأما الثاني وهو الكتاب فقوله تعالى في مذمة اليهود: سماعون للكذب أكالون للسحت فإن جاءوك فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين (1).
فإن الظاهر منه إن النبي صلى الله عليه وآله كان مخيرا بين أن يحكم هو بنفسه بينهم إذا جاءوه أو يعرض حتى يحكم بينهم حكامهم.
وأما مجرد الاعراض وترك القضية فوضى فهو بعيد عن مقام الرسول العظيم صلى الله عليه وآله ودينه الشامل الجامع فإن من كان منصوبا من قبل الله إلى الناس أجمعين لاصلاح أمورهم وحل مشاكلهم كيف يمكن أن يقال له:
احكم بينهم أو اتركهم بحالهم؟ فلا بد أن يكون الاعراض عنهم المذكور في الآية الكريمة مقدمة لأن يحكم بينهم من هو من أهل نحلتهم لو كان لهم في ذلك حكم، والعقل يأبى أن يأتي قوم عنده لفصل الخصومة وهو يتركهم بلا جواب بل لا بد من أن يحكم بينهم بنفسه أو يرسلهم إلى فاصل خصومة وإن كان من أهل مذهبهم وعلى الجملة فالآية الكريمة تدل على تخيير الحاكم بين الأمرين.
لا يقال إن كون (أو) في الآية الكريمة للتخيير غير مسلم وقد تردد في ذلك بعض كالمحقق الأردبيلي حيث قال في مجمع الفائدة والبرهان: إن الآية غير صريحة في التخيير.
لأنا نقول: إن ظهورها في التخيير مسلم واحتمال خلاف ذلك خلاف