وأما إذا كانوا يرون أنفسهم عادلين وزعموا أن الناس أيضا يعتقدون فيهم العدالة ويرونهم متصفين بها فاقدموا على ذلك فمقتضى القاعدة عدم حد عليهم لكونهم غير مفرطين.
نعم هنا بحث وهو أنه إذا كان الشاهد يرى نفسه فاسقا ويراه الناس عادلا فهل يجب عليه إقامة الشهادة احقاقا للحق أم لا؟
الظاهر هو الوجوب، ولا يضر عدم عدالته، ولا يجب عليه اعلان غيره بفسقه كما أنه لا يجب على من يرى نفسه فاسقا أن يعلن المؤتمين به بفسقه، وتصح صلاة من اقتدى بإمام يراه عادلا وإن انكشف بعد ذلك كونه فاسقا بل وكافرا وعلى الجملة فالظاهر أنه يكفي للحاكم، المصحح الفعلي في حكمه وإن لم يكن بحسب الواقع محققا وليس مثل باب الطلاق الذي لو بان فسق الشاهدين يكشف بطلان الطلاق، كما سيتضح ذلك من بعض الفروع القادمة.
" الفرع الرابع " لو رجعوا عن الشهادة كلا أو بعضا قبل الحكم فعليهم أجمع (1) الحد إلا أن يعفو المقذوف وذلك لأنهم قد قذفوا فيجب حدهم ولا يثبت الزنا حتى يحد المشهود عليه لعدم تحقق الشهادة المعتبرة، ورجوع الشاهد عما شهد به أولا يوجب أن لا يبقى اطمينان بما قاله أولا فلم يبق لقوله كشف عن الواقع ويزول الاطمينان بخبره فالشهادة مع الرجوع عنها مساوقة لعدم الشهادة والحاصل أن الاختلال في الشهادة يوجب أن لا يثبت الزنا.
نعم هنا كلام بالنسبة إلى الشهود وهو أنه لو قال الراجع: إني قد كذبت في الشهادة فهو يحد بلا كلام لاقراره بنسبة الزنا إلى الغير عمدا وكذبا، وأما لو ادعى الخطأ في ذلك كما إذا رأى عمروا فزعم أنه زيد الذي رآه وعاينه وهو يزني، وشهد بأن هذا قد زنى ثم ظهر له أن الزاني كان غيره فلا وجه هنا لحده أصلا لأنه قد أخطأ وقد رفع عن الأمة خطأ، هذا كله فيما إذا رجعوا قبل