ومنه علم أن الأمر بحسب اللغة على العكس مما عليه الاصطلاح، فإن العهد بحسب مفهومه اللغوي لا يخلو عن ارتباط بالإضافة إلى ما تعلق به القرار دون العقد بحسب مفهومه اللغوي، فإنه يعم العهد وغيره، فكل عهد عقد لغة ولا عكس، وأما اصطلاحا فكل عقد عهد ولا عكس.
ومنه تبين: أن ما عن بعض أهل اللغة من أن العقد هو العهد أو المشدد وهم منه، بل هما متبائنان مفهوما ويتصادقان أحيانا، وتبين أيضا أن حيثية العهدية غير حيثية العقدية في العقود المتعارفة الاصطلاحية، فحيثية القرار من كل من البايع والمشتري عهد منهما، وحيثية ارتباط القرار من الموجب بالقرار من القابل عقدهما.
ومنها: كما أن العهد لغة مطلق الجعل والقرار ولو قلبا من دون دخل للقول أو الفعل في حيثية العهدية بل بهما اظهاره، كذلك العقد يعم الارتباطات الواقعة في أفق النفس أيضا، ومنه ما في الدعاء: (يا إلهي لك من قلوبنا عقد الندم) (1) وفي دعاء آخر:
(عقد عزيمات اليقين) (2) وكذلك يعم الارتباطات المتعلقة بالاعتباريات كالعقود المعاملية من دون دخل لحيثية لفظ أو فعل إلا في الدلالة على ذلك الأمر المعنوي الاعتباري.
فتوهم: أن العقد هو العهد الموثق وأن توثيقه باللفظ.
كلامهما في غير محله، والاطلاقات الشرعية الواردة في الكتاب والسنة لا تتقيد بالاصطلاحات كما هو واضح، فحقيقة العقد المعنوي كما يتسبب إليه بلفظ يدل عليه كذلك بالفعل كالتعاطي.
وأما أن العقد لغة هل هو مطلق الربط والوصل أو الموثق منه فليس فيه كثير فائدة، فإن المهم هنا هو توثيق العهد بالقول لاخراج التعاطي، وبعد ما مر من عدم دخل للقول والفعل في حقيقة العهد والعقد فدخل التوثيق في نفسه لا يجدي شيئا هنا، فتدبر جيدا.