ومنها: أن الوفاء كما في اللغة ضد الغدر، والغدر التجاوز عن شئ وتركه ومنه قوله تعالى: * (فحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا) * (1) أي لم نترك أحدا وأتينا بهم جميعا، ومنه قوله تعالى: * (لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها) * (2) أي لم يتركهما ولم يجاوزهما، ومنه الغدير من الماء فإنه منقطع السبيل أو الماء الذي ينقطع عنه السيل المار منه وعليه، فالوفاء هو الاتمام وعدم التجاوز عنه، والدرهم الوافي هو التام، وإيفاء المكيل اعطائه تاما، واستيفائه أخذه تاما، والموافاة إنهاء الوفاء وفي الدعاء عند الحجر الأسود: (إشهد لي بالموافاة) (3) أي بانهاء الوفاء بالميثاق إليك، نظرا إلى التقامه الميثاق المأخوذ على العباد، ولذا ورد: (إنه يمين الله في الأرض) (4) ويقال وافى عنه أي حج عنه، ولأجله جعل الحج ونبذ الميثاق متضادين في الخبر المتكفل لجنود العقل والجهل حيث قال (عليه السلام): (الحج وضده نبذ الميثاق) (5).
فتبين من جميع ما ذكرنا أن مادة الوفاء والايفاء بمعنى التمامية والاتمام تقريبا، في قبال الترك والتجاوز عن الشئ، وإيفاء الكيل اعطائه تاما في قبال التجاوز عنه باعطائه ناقصا، واستيفائه بالعكس، ولعل تحريم النقض والنكث مع أنهما في قبال الاتمام لكونه أبلغ وآكد من تحريم التجاوز عنه وعدم القيام به، فإن النقض جعل العقد محلولا والغدر تركه والتجاوز عنه، فتحريم الأول أبلغ وآكد من تحريم الثاني بعنوانه.
وبناء على ما ذكرنا فمتعلق العهد والعقد وإن كان من الأعمال، والوفاء به والقيام بمقتضاه إيجاده وإن كان من النتائج، كما في العقد على ملكية عين بعوض، فاتمامه وعدم التجاوز عنه بايفائه وعدم رفع اليد عنه بحله ونقضه، ومنه يعلم أن ترتيب آثار الملك أجنبي عن الوفاء، إذ لا عهد بالإضافة إليه، وما لا عهد به لا وفاء له فليكن على