أبي بكر وساير من لا يدل اللفظ على ثبوت ذلك لهم حتى عبد أبي بكر، على أن سوق الكلام صريح في الدلالة على انتفاء ذلك عن الغير مطلقا، وأما ما ذكره بقوله: وبتقدير أن يدل على ذلك لكنه يدل الخ فمردود بأن تلك الصفات متلازمة، فنفي بعضها ككونه كرارا غير فرار يستلزم نفي الباقي وهو محبة الله تعالى ورسوله له ومحبته لله ورسوله، لظهور أن محبة الشخص لله ورسوله وإخلاصه لهما، يقتضي أن تهون عليه نفسه، فلا يفر عن أعدائهما ويجاهد في الله حق جهاده، وكذا محبة الله ورسوله يستلزم تأييده في الجهاد بعدم فراره، خصوصا إذا لم يكن المقاومة مع العدو فوق الطاقة البشرية كما كانت في القضية المذكورة، بل الوصفان الأولان بمنزلة العلة للوصفين الآخرين فكان في الكلام تعريض (1) للرجلين بأن فرارهما إنما كان لعدم محبتهما لله ورسوله وبالعكس، فظهر أن اللفظ بمعونة الاستلزام والعلية المذكورين يدل على ذلك كما لا يخفى على من تأمل في مقتضيات الحال والمقام وأما ما ذكره بقوله: وأيضا فهو تعالى إنما أثبت هذه الصفة للمذكور في هذه الآية الخ فمدخول بأنه: لو سلم أن الآية بمجردها لا
يمنع عن حصول تلك الصفة لأبي بكر في الزمان المستقبل، لكن التواريخ (2) والسير قد دلت على أنه لم تحصل تلك الصفة لأبي بكر قط في المستقبل من الزمان أيضا، اللهم إلا أن
____________________
(1) هو من أقسام الكناية عند علماء البيان ويقال له الكناية العرضية أيضا، لأن الكناية مسوقة لأجل موصوف غير مذكور، فمن ثم أطلق عليه التعريض لأنه إمالة الكلام إلى عرض يدل على المقصود يقال عرضت لفلان وبفلان وإن شئت الوقوف على تفاصيل أقسام التعريض ومراتبها المختلفة وضوحا وخفاء ودرجاتها المتفاوتة في الحسن فعليك بالمطولات من كتب البيان والله العاصم.
(2) إذ لم يذكر فيها اتصافه بتلك الصفة الفاضلة والكتب ها هي بين يديك فراجع السير والمغازي والتواريخ والتراجم على تشعبها وتنوعها.