أقول لا ريب في أن الفعل الصادر عن الله تعالى ورسوله يتعالى عن العبث، فما الوجه في إنفاذ الرجل أولا، وأخذها منه ثانيا، إلا تنبيها على الفضل وتنويها بالاسم، وتعلية للذكر ورفعة لجناب منه ارتضى لتأديتها، وعكس ذلك فيمن عزل، ولو كان دفع البراءة إلى علي عليه السلام أو لا ما وضح الأمر هذا الوضوح، ولجاز أن يجول بخواطر الناس أن في الجماعة غير علي عليه السلام من يصلح أن يكون مؤديا للبراءة، قائما في ذلك مقام رسول الله صلى الله عليه وآله وأما ما ذكره الناصب في وجه إنفاذ علي عليه السلام بعد أبي بكر، من أنه كان لأجل أن العرب في العهود لا يعتبرون إلى آخر، فهو شئ سبق إليه الجاحظ (1) حيث قال: إنه كان من عادة (2) العرب في عقد الحلف وحل العقد أنه كان لا يتولى منهم إلا السيد المطاع أو رجل من رهطه (إنتهى) ورد عليه: بأنه أراد أن يذم عليا فمدحه وأن يبعده فقربه، وأنا أقول في الرد عليه وعلى أخيه الناصب أيضا: إنه لو كان إنفاذ علي عليه السلام لأجل ما تعارف بين العرب في العهود، لما خفي على النبي صلى الله عليه وآله أولا، فعلم أن السر في ذلك عدم قابلية أبي بكر للأداء عند الله تعالى وسيجئ تمام الكلام منا فيما بعد إن شاء الله تعالى.
____________________
(1) قد مرت ترجمته في ص 374 من ج 2 من الكتاب فراجع.
(2) وقد وجدت بعد إتمام تأليف الكتاب في كتاب الشافي أنه قال في جواب مثل ما ذكره الناصب أن ما حكان القاضي عن أبي علي من أن عادة العرب أن لا يحل ما عقده الرئيس بينهم إلا هو أو المقدم من رهطه فمعاذ الله أن يجري النبي صلى الله عليه وآله سننه وأحكامه على عادات الجاهلية وقد بين عليه السلام لما رجع إليه أبو بكر فسأله عن السبب في أخذ
(2) وقد وجدت بعد إتمام تأليف الكتاب في كتاب الشافي أنه قال في جواب مثل ما ذكره الناصب أن ما حكان القاضي عن أبي علي من أن عادة العرب أن لا يحل ما عقده الرئيس بينهم إلا هو أو المقدم من رهطه فمعاذ الله أن يجري النبي صلى الله عليه وآله سننه وأحكامه على عادات الجاهلية وقد بين عليه السلام لما رجع إليه أبو بكر فسأله عن السبب في أخذ