الأول:
بالنسبة لعدم التزام اليهود في عهودهم نقول:
إن ذلك طبيعي بالنسبة إلى قوم يزنون الأمور بموازين الربح والخسارة في الدنيا: فإن من كان كذلك، لا يلتزم بالصدق - مثلا - لأجل أن له قيمة أخلاقية أو إنسانية، أو لأن فيه رضا الله سبحانه وتعالى وإنما يلتزم به لأنه يجلب له نفعا دنيويا ملموسا، أو يدفع عنه ضررا كذلك.. وبدون ذلك: فإنه لا يجد مبرا ولا دافعا للالتزام به، بل هو حين يلتزم بصدق لا يشعر بنفعه الدنيوي يجد نفسه متناقضا مع مبدئه، ومع منطلقاته في التفكير وفي العمل، التي رضيها لنفسه.
وكذلك الحال بالنسبة لسائر الكمالات والفضائل الإنسانية، وبالنسبة لكل الالتزامات، والعهود، والمواثيق، التي يفرضها عليه واقع دنيوي معين: فإنه إذا تجاوز ذلك الواقع، فسوف لا يجد ما يبرر التزامه بذلك الكمال، وتلك الفضيلة، أو وفاءه بهذا العهد والميثاق، أو ذاك. بل كل المبررات متضافرة لديه، وكل القناعات حاكمة عليه بلزوم نقضها، والنكث بها، والالتزام بضدها.
الثاني ث: بالنسبة لإلتزام النبي " صلى الله عليه وآله " والمسلمين بعهودهم ومواثيقهم، فقد اتضح: أنهم لابد أن يكونوا فيها على العكس من اليهود تماما، إذ قد أصبح من البديهي: أن العهد، والميثاق وكل شئ آخر يفرضه عليهم الشرع، والعقل، والإنسانية، إنما يمثل لهم قيمة أخلاقية وإنسانية، وحدا شرعيا، لابد لهم من الالتزام به، والموقوف عنده، إن ذلك يمثل جزءا من وجودهم، ومن شخصيتهم، وإن الإخلال به سوف يوقعهم في تناقض مع أنفسهم بالدرجة الأولى، ولسوف يجعلهم وجها لوجه مع