إن أهل الشام والحالة هذه لا يمكنهم أن يدركوا واقع ما يجري وما يحدث. بل إن باستطاعة معاوية أن يموه ويشبه الامر على غير أهل الشام أيضا، لمكره وشيطنته، فإنه قد تأمر على الشام من قبل عمر بن الخطاب، الذي أحبه العرب، واخلصوا له، لأنه أرضى غرورهم، ورفع معنوياتهم، بتفضيلهم على غيرهم، من أهل الأمم الأخرى في العطاء، وفي مختلف الشؤون. مع أنهم الذين كانوا إلى الأمس القريب لا قيمة لهم، يتيهون في صحرائهم القاحلة، يأكلون الجشب، ويشربون الكدر، إلى آخر ما تقدم في أوائل الفصل الأول، ثم جاء الاسلام، فساواهم بغيرهم، ورفع من شأنهم، وقرر: أن لا فضل لاحد على أحد إلا بالتقوى.
ولكن سياسة عمر بن الخطاب قد اقتضت إعطاء كل الامتيازات، وفي مختلف الشؤون لخصوص العرب، وحرمان غيرهم من كل الامتيازات، ومن كل شئ (1).
فأحب العرب عمر بن الخطاب أعظم الحب، وقدروه أجل تقدير، وصارت أفعاله وأقواله عندهم قانونا متبعا، لا يمكن مخالفته، ولا الخروج عليه، ويكفي أن نذكر: أن مجرد توليته لأحدهم قد أوجبت لذلك الرجل عظمة ومنزلة خاصة (2).
بل إن عليا الذي لم يكن يرى لبني إسماعيل فضلا على بني إسحاق (3) لم يستطع أن يعزل شريحا عن القضاء، وقد أبى ذلك عليه أهل