يستطيعون عادة تحمل المشاق، ومواجهة الصعوبات فان الشجرة البرية أصلب عودا، وأبطأ خمودا، ولذلك نجد: أن بعض المسلمين كانوا يودون لو يجعلون امتيازا لأحدهم، وهو ابن عمير لأنه كان منعما قبل أن يسلم، وحينما أسلم تعرض للمشاق والآلام، فذلك جعلهم يشعرون بأنه قد تحمل من المصاعب والآلام ما يوجب الرثاء والرحمة له، وما ذلك إلا انطلاقا من الناحية التي أشرنا إليها آنفا.
8 - بقايا الحنيفية في العرب:
وبعد، فان مما ساعد على ذلك أيضا، وجود بقايا الحنيفية - دين إبراهيم كالحج وآدابه - في الجزيرة العربية، وفي مكة بالذات، لان العرب، وهم أولاد إسماعيل، قد توارثوا عنه الدين الحق وكانوا يعتزون بذلك، وقد قال الله تعالى لهم: ملة أبيكم إبراهيم.. ولكنهم على مر السنين بدؤا يخلطون هذا الحق بكثير من الباطل، شأن سائر الأمم، عندما يغشاها الجهل، وتستبد بها الأهواء، والانحرافات.
ثم تسرب إليهم الشرك، وعبادة الأوثان، حسبما قدمنا، ثم الكثير من الأمور الباطلة، والأخلاق الذميمة، والفواحش، حتى أصبحوا في الجاهلية العمياء، وحتى أدى بهم الامر إلى الحالة التي وصفها لنا أمير المؤمنين (عليه السلام) فيما تقدم، غير أن بقية منهم - وإن كانت قليلة جدا - قد بقيت متمسكة بعقيدة التوحيد، وترفض عبادة الأوثان. وتعبد الله على حسب ما تراه مناسبا، وقريبا إلى تعاليم دين إبراهيم. ومن هؤلاء عبد المطلب، وأضرابه، من رجالات بني هاشم الأبرار.
وكان من بقايا الحنيفية تعظيم البيت، والطواف به، والوقوف بعرفة، والتلبية (1) وهدي البدن، وإن كانوا يطبقون ذلك مشوها وممسوخا،