التوضيح والتطبيق:
وتوضيح ذلك: أن الله عز وجل يقدر لزيد من الناس مثلا رزقا معينا، أو عمرا معينا، بحسب ما تقتضيه طبيعته وسجيته، واستعداده الذاتي، ولكنه يعلم أنه سوف يتصدق فيكون ذلك سببا في زيادة رزقه المقدر له أولا بقطع النظر عن هذه الصدقة. أو سوف يبر بوالديه فيزيد عمره لذلك كذلك. والله يعلم بذلك كله من أول الأمر.
وقد تقتضي المصلحة أن يطلع الله نبيه على المقتضي لوجود شئ، من دون أن يطلعه على ما سوف يجد في المستقبل له من الموانع، أو ما سوف يفقده من شرائط. فيخبر النبي الناس عنه على تلك الصفة.
ثم بعد ذلك يطلع تعالى النبي على أنه يوجد مانع، أو أن المقتضي يحتاج إلى توفر شرائط ومناخات معينة مفقودة فعلا. مع علم الله سبحانه بكل ذلك أولا وآخرا، فإن لله علما اختص به، وعلما يطلع عليه نبيه أو يثبته في لوح المحو والاثبات، وقد أشار إلى هذين العلمين، في قوله تعالى: (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) فمثلا، لو بنينا بيتا، فإنه بحسب طبعه صالح للبقاء مئة سنة مثلا. ولكنه ربما ترد عليه عواصف، أو زلازل، أو سيول، أو نحوها، تمنع من بقائه هذه المدة، ويتلاشى في مدة عشر سنوات مثلا.
فلو أخبرنا الناس: أن هذا البيت يبقى مئة سنة، مع علمنا بأنه سيتلاشى بسبب سيل يأتي من الناحية الفلانية يصل إليه بعد عشرة أيام، ثم أخبرنا ثانيا بأن البيت سيهدم بعد عشرة أيام، فإن كلا من الخبرين يكون صحيحا.. وقد يترتب على إخبارنا الأول مصلحة هامة لا غنى عن تحققها في موطنها.