صخرة صماء فلا يتعثر مني الا بحد صارم قضيب ولا يعجم مني غير عود على ناب الزمان صليب لم يحملني ولله الحمد تصريفه لأحوالي واعلاله لآمالي على ابتذالي بالتملق إلى والي حياء من قولي الذي شرق به الركبان وغربوا واطرب اولي الألباب لما صعدوا النظر فيه وصوبوا:
لا تمددن يدا يوما لأخذ يد * ولو أضرت بك اللأواء والنوب فالصبر صبر على من الرجال وإن اربى على المن والسلوى الذي وهبوا على أن التعفف كان دأبي وأجمل ثيابي قبل أن أطوي برد شبابي فكيف وليل الشباب تقضي وصبح المشيب قد أضا:
إذا الفتى ذم عيشا في شبيبته * فما يقول إذا عصر الشباب مضى بل كنت مما شاهدت من تقلب الزمان بين قالبي البرد والحر وتبدله من الخير إلى الشر ومن الشر إلى الخير مغتبطا بالعناء اغتباط المثري بالغنى واجتني من غصون المنايا ثمار المنى اقتفاء باسلاف كان ذلك سيماهم وقليل ما هم واني في ذلك جنب الله سيدي المهالك وسلك به إلى رضوانه أحسن المسالك لم آل في اقتناء علم الأدب وتتبع خفايا كلام العرب فقطعت من تلك الفنون الشجراء والمرداء وطويت منها الآهل والبيداء ولم اترك منها موردا الا عرست عليه ولا طللا إلا وحثثت ركابي إليه حتى صار الأدب حشو أهابي وملء جرابي فطفقت أصوع من الغزل والتشبيب ما تغني به الغواني في صهواتها ومن الوعظ ما يرفض منه ماقي العباد في خلواتها ومن رقيق المديح ما تندي له صفاة الشحيح ومن الهزل والمجون ما يطرب له العاقل والمجنون كما قلت ملتزما فيه ما لا يلزم من القوافي:
وكم من قليب خضخضته دلاؤنا * فعاد نميرا بعد ما كان آجنا ولما رأيت الجد لم يجد طائلا * برزت ولم أحفل بما قيل ماجنا تراني أبيع اللؤلؤ الرطب ساعة * وسود قدور ساعة ومعاجنا لحى الله دهرا لم يزل في منشيا * لياليه من كل الجهات محاجنا ومن شدة شغفي في الابكار والأصائل بارتشاف رضاب الطل من ثغور أقاصي تلك الخمائل ووفرة كلفي بالمقيل في سجسج ظلها كنت أتنكب عن صحبة من لا يدأب في اجتناء ثمرات الأدب ولم يتعلق من أهدابه بهدب ولو أناف في التصوف على الجنيد وفي التقشف على عمرو بن عبيد ظنا مني أنه من امنع المعاقل وأوثق الوسائل إلى النائل اغترارا بقول القائل:
لا تيأسن إذا ما كنت ذا أدب * على خمولك أن ترقى إلى الفلك بينا ترى الذهب الأبريز مطرحا * في الترب إذ صار إكليلا على الملك بيد اني كلما ازددت في ذلك ارتفاعا زاد حظي نقصا واتضاعا كما قلت فيما بثثت فيه شجوني قبل أن يطلع فجر المشيب من ليالي قروني:
حتى متى أرقى المعالي ولا * أبرح من دهري على هون أعلو ورأسي في انتكاس إلى * سفل كأني بيد مخبون كذا وأصبحت الليالي تشن علي الغارة بعد الغارة وتلعب بي كما يلعب السنور بالفارة فأيقنت أن ذلك عقوبة ما كسبت يداي وأنه من شؤم أدبي الذي كان غاية فصار في زيادة ربما أورثتني في العيون زهادة، وليتها كانت كالزيادة في الآن إن لم تزده تعريفا فهو من تنكيرها في أمان أو كواو عمرو إن لم تفده في المعنى حظا لم تزده الثقل لفظا، بل كانت لي كياء التصغير الكاسية ذويها ثوب التحقير أو هاء صيارفة التي صارت لها صارفة، وفعيلة لولا زيادة هائها لما رزئت في النسب بحذف يائها، والعرب تجاهر في الدعاء على كل ماهر فتقول للمقدام المطعان: ويل امه ما اشجعه، وللشاعر المجيد: قاتله الله ما أبدعه، ولأمر ما ترعى الصعوة لطائف الأزهار وترد حيثما أرادت من الأنهار، والهزار في ضيق قفصه يشكو مضض غصصه. ورحم الله العلامة التفتازاني حيث يقول وازنا بميزاني:
طويت باحراز الفنون ونيلها * رداء شبابي والجنون فنون وحين تعاطيت الفنون وحظها * تبين لي أن الفنون جنون ومع ذلك لم التفت يمنة ولا يسرة إلا وارى ما يزيدني حسرة من تقلب أغنياء أغبياء كالنعم في بلهنية النعم وتصرف البغاث المستنسرة في الرياض النضرة واختيال أهل الغيري في نفايس الغراء، على أنه يتيهون بالمال على أهل الكمال وقد تاهوا في تيههم ذاك تيها. ولم يشعروا ان النتيجة تتبع أحسن مقدمتيها والدهر مع الأنام كالميزان لا يرفع الا صاحب النقصان، فلما لم تزد علي أنياب النوائب إلا حدة ومخالب المصائب إلا شدة الجاتني الأيام الغبر إلى مسالمة الدهر فاستسلمت له استسلام العاجز بعد ما كانت قناتي لا تلين لغامز، وقلت للأدب ارحل عني ركاب البين واجعل بيني وبينك بعد المشرقين، تبا لك من صارم اكل بحده جثمان غمده وثمر عرض أشجاره للرمي بالحجارة وأصالة رأي ساقتني إلى الخطل وحلية فضل شانتني لدى العطل:
وهبك كالشمس في حسن ألم ترنا * نفر منها إذا مالت إلى الضرر لا جرم اني انتظمت استمالة للدهر في سلك أغمار الناس وطويت كشحي عن مداناة الأكياس وفررت عن تلك المناهل والموارد فرار الظل عن الشمس، وأقوت تلك المنازل والمعاهد حتى كان لم تغن بالأمس وجلبت دواوين الأدب إلى سوق الكرب واتخذت من التغابي جلبابا وفتحت على من الفهاهة أبوابا وأ رأيت اني ارى الصواب خطا والخطا صوابا اقتداء بأديب معرة النعمان أبي العلاء أحمد بن سليمان حيث يقول وقد رشقته سهام الزمان:
ولما رأيت الجهل في الناس فاشيا * تجاهلت حتى ظن اني جاهل فوا عجبا كم يدعي الفضل ناقص * ووا أسفا كم يظهر النقص فاضل فكنت إذا سمعت معربا في مجالس الألباء يقول زيد مجرور بالباء أتباكى وأقول: ويح ذاك الفتى أين جر ومتى وما الذي جر لأجله وما الباء وهل يجر المرء إلا بنحو يده أو رجله أو رأيته يقول عمرو مرفوع أتباشر وأقول:
لعل ذاك الشيطان مرفوع إلى السلطان فلقد كان كأبيه فلان مفسدا في الأوطان متسورا للحيطان، وربما اخذني ذلك المعرب بحلمه وأدناني ليفيدني من علمه فعلمني معنى الرفع وبين لي ما يقصد به في ذلك الوضع، فأقول: فما لنا لا نقرأ في بيوت أذن الله ان ترفع برفع بيوت وهل بعد ان إذن الله لرفعها من رفع وهل لنا بين الرفعين فارق يرفع الاشكال من البين فيقول بينهما فرق قوي، ذاك اصطلاحي وهذا لغوي فأقول لقد أطلت الهراش حتى كثرت الظباء على خراش هلا كسرت من فرق الفاء وفتحت من لغوي اللام لتسلم من حمة الملام، أ لم تقرأ في الكتاب المبين: كل فرق كالطود العظيم وانك لغوي مبين؟ فتضحك مني الطلبة ويقولون: لله أنت ما أظرف جهلك وأعذبه! تالله انك بطرق الجهالة اعلم من الشافعي بمسائل الرسالة، وفي السلوك إلى الخطا اهدى من القطا، وانك لأحلى