فمكث يومه مغموما فقيل له هذا يوم سرور بانتصارك على خصمك فقال الحق أولي بمثلي اني لم أدفع احمد بحجة ولا كذب في شئ مما ذكر ولا أبلغ معشاره في الخراج كما لا يبلغ معشاري في البلاغة وانما غلبته بالمخرقة أ فلا أبكي فضلا عن أن اغتم من زمان يقع فيه ذلك. واجتاز محمد بن علي برد الخيار على أبي أيوب وهو يتولى ديار مضر فلم يتلقه ونزل الرقة فلم يصل إليه ولم يبره وخرج عنها فلم يشيعه فلامه اخوانه وقالوا يشكوك إلى إبراهيم بن العباس فكتب إلى إبراهيم يعتذر من ذلك فكتب إليه إبراهيم على ظهر كتابه:
ابدا معتذر لا يعذر * وركوب للتي لا تغفر وملقى بمساو كلها * منه تبدو واليه تصدر هي من كل الورى منكرة * وهي منه وحده لا تنكر ونظر الحسن بن وهب وهو مخمور فقال:
عيناك قد حكتا مبيتك * كيف كنت وكيف كانا ولرب عين قد ارتك * مبيت صاحبها عيانا فاجابه الحسن بن وهب بعشرين بيتا وطالبه بمثلها فكتب إليه بأربعة أبيات وطالبه بأربعين فقال:
أأبا علي خير قولك ما * حصلت أنجعة ومختصره ما عندنا في البيع من غبن * للمستقل بواحد عشره انا أهل ذلك غير محتشم * ارضى القديم واقتفي اثره ها نحن وفيناك أربعة * والأربعون لديك منتظره ولقيه محمد بن عبد الملك الزيات وهو خارج من دار أحمد بن أبي دؤاد فتبين الغضب في وجه محمد فكتب إليه إبراهيم:
دعني أواصل من قطعت * يراك بي إذ لا يراكا اني متى اهجر كهجرك * لا أضر به سواكا وإذا قطعتك في أخيك * قطعت فيك غدا اخاكا حتى ارى متقسما * يومي لذا وغدي لذاكا ولما عقد المتوكل لولاة العهود من ولده نزل القصر المسمى بالعروس ومعه الجيش فانشده إبراهيم:
ولما بدا جعفر في الخميس * بين المطل وبين العروس بدا لابسا بهما حلة * أزيلت بها طالعات النحوس ولما بدا بين احبابه * ولاة العهود وعز النفوس غدا قمرا بين أقماره * وشمسا مكللة بالشموس لايقاد نار وأطفائها * ويوم أنيق ويوم عبوس ثم اقبل على ولاة العهود فقال:
أضحت عرى الاسلام وهي منوطة * بالنصر والاعزاز والتأييد بخليفة من هاشم وثلاثة * كنفوا الخلافة من ولاة عهود قمر توافت حوله أقماره * فحففن مطلع سعده بسعود رفعتهم الأيام وارتفعوا به * فسموا بأكرم أنفس وجدود فامر له المتوكل بمائة ألف درهم وامر له ولاة العهود بمثلها وكان يكتب كتابا فنقطت من القلم نقطة مفسدة فمسحها بكمه فعجب منه أبو الغيث فقال لا تعجب المال فرع والقلم أصل ومن هذا السواد جاءت هذه الثياب والأصل أحوج إلى المراعاة من الفرع ثم فكر قليلا وقال:
إذا ما الفكر ولد حسن لفظ * وأسلمه الوجود إلى العيان ووشاه فنمنمه بيان * فصيح في المقال بلا لسان ترى حلل البيان منشرات * تجلى بينها حلل المعاني واجتمع هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات وابن برد الخيار في مجلس عبيد الله بن سليمان فجعل هارون ينشد من شعر أبيه ويفضله فقال له ابن برد الخيار إن كان لأبيك مثل قول إبراهيم بن العباس الصولي:
أسد ضار إذا هيجته * وأب بر إذا ما قدرا يعرف الابعد ان اثرى ولا * يعرف الأدنى إذا ما افتقرا أو مثل قوله:
تلج السنون بيوتهم وترى لهم * عن جار بيتهم ازورار مناكب وتراهم بسيوفهم وشفارهم * مستشرفين لراغب أو راهب حامين أو قارين حيث لقيتهم * نهب العفاة ونهزة للراغب فاذكره وفاخر به والا فاقلل فخجل هارون. وانشد في مجلسه في ديوان الضياع:
ربما تجزع النفوس من الأمر * له فرجة كحل العقال ونكت بقلمه ثم قال:
ولرب نازلة يضيق بها الفتى * ذرعا وعند الله منها المخرج ضاقت فلما استحكمت حلقاتها * فرجت وكان يظنها لا تفرج قال الراوي تعجبنا والله من سرعة طبعه وجودة قريحته وحدث يحيى بن البحتري قال رأيت أبي يذاكر جماعة من شعراء الشام بمعان من الشعر فمر فيها قلة نوم العاشق وما قيل في ذلك فانشدوا انشادات فقال لهم أبي فرع من هذا كاتب العراق إبراهيم بن العباس فقال:
احسب النوم حكاكا * إذ رأى منك جفاكا مني الصبر ومنك الهجر * فابلغ بي مداكا كذبت همة عين * طمعت في أن تراكا أ وما حظ لعين * أن ترى ما قد رآكا ليت حظي منك أن * تعلم ما بي من هواكا ثم قال البحتري تصرفت هذه الأبيات في معان من الشعر أحسن في جميعها. وكان صديقا لأحمد بن دؤاد فعتب إبراهيم على ابن لأحمد بعد موته فقال فيه إبراهيم:
عفت مساو تبدت منك واضحة * على محاسن أبقاها أبوك لكا لئن تقدمت أبناء الكرام به * لقد تقدم آباء اللئام بكا وقال وهو في حبس موسى بن عبد الملك من قصيدة طويلة وكان يكنى أبا إسحاق فكناه أبا عمران:
كم ترى يبقى على ذا بدني * قد بلي من طول همي وفني انا في أسر وأسباب ردى * وحديد فادح يكلمني وأبو عمران موسى حنق * حاقد يطلبني بالأحسن