طريدة دهر ساقها فرددتها * على الدين بالخطى والدهر راغم تفيت الليالي كل شئ أخذته * وهن لما يأخذن منك غوارم إذا كان ما تنويه فعلا مضارعا * مضى قبل أن تلقى عليه الجوازم اتوك يجرون الحديد كأنما * أتوا بجياد ما لهن قوائم خميس بشرق الأرض والغرب زحفه * وفي أذن الجوزاء منه زمازم تقطع ما لا يقطع الدرع والقنا * وفر من الفرسان من لا يصادم وقفت وما في الموت شك لواقف * كأنك في جفن الردى وهو نائم تمر بك الأبطال كلمى هزيمة * ووجهك وضاح وثغرك باسم ضممت جناحيهم على القلب ضمة * تموت الخوافي تحتها والقوادم بضرب أتى الهامات والنصر غائب * وصار إلى اللبات والنصر قادم حقرت الردينيات حتى طرحتها * وحتى كان السيف للرمح شاتم ومن طلب الفتح الجليل فإنما * مفاتيحه البيض الخفاف الصوارم نثرتهم فوق الأحيدب نثرة * كما نثرت فوق العروس الدراهم تظن فراخ الفتخ انك زرتها * بإماتها وهي العتاق الصلادم إذا زلقت مشيتها ببطونها * كما تتمشى في الصعيد الأراقم أ في كل يوم ذا الدمستق مقدم * قفاه على الاقدام للوجه لائم وقد فجعته بابنه وابن صهره * وبالصهر حملات الأمير الغواشم ولست مليكا هازما لنظيره * ولكنك التوحيد للشرك هازم تشرف عدنان به لا ربيعة * وتفتخر الدنيا به لا العواصم ألا أيها السيف الذي ليس مغمدا * ولا فيه مرتاب ولا منه عاصم هنيئا لضرب الهام والمجد والعلى * وراجيك والاسلام انك سالم ولما بلغ المتنبي إلى قوله فيها: وقفت وما في الموت والبيت الذي بعده. قال سيف الدولة قد انتقدتهما عليك كما انتقد على امرئ القيس قوله:
كأني لم أركب جوادا لغارة * ولم أتبطن كاعبا ذات خلخال ولم أسبا الزق الروي ولم أقل * لخيلي كري كرة بعد اجفال فبيتاك لم يلتئم شطراهما كما لم يلتئم شطرا بيتي امرئ القيس وكان ينبغي له أن يقول:
كأني لم أركب جوادا ولم أقل * لخيلي كري كرة بعد أجفال ولم أسبا الزق للروي للذة * ولم أتبطن كاعبا ذات خلخال وكان ينبغي لك أن تقول:
وقفت وما في الموت شك لواقف * ووجهك وضاح وثغرك باسم تمر بك الأبطال كلمى هزيمة * كأنك في جفن الردى وهو نائم فقال المتنبي ان صح ان الذي استدرك على امرئ القيس هذا وهو أعلم بالشعر منه قد أصاب فقد أخطأ امرؤ القيس وأخطأت أنا، ومولانا يعلم أن الثوب لا يعلمه البزاز كما يعرفه الحائك، فان البزاز يعلم جملته والحائك يعرف تفاصيله، وإنما قرن امرؤ القيس لذة النساء بلذة الركوب للصيد، والشجاعة في منازلة الأعداء بالسماحة في شرائه الخمر للأضياف، وأنا كذلك لما ذكرت الموت في صدر البيت الأول أتبعته بذكر الردى في آخره ليكون أحسن تلاؤما، ولما كان وجه الجريح المنهزم عبوسا وعينه باكية قلت: ووجهك وضاح وثغرك باسم لأجمع بين الأضداد في المعنى. فاعجب سيف الدولة بقوله ووصله بخمسين دينارا من دنانير الصلات وفيها خمسمائة دينار.
ما جرى بين المتنبي وابن خالويه في الصبح المنبي قال ابن بابك: حضر المتنبي مجلس أبي أحمد بن نصر البازيار وزير سيف الدولة وهناك أبو عبد الله بن خالويه النحوي، فتماريا في أشجع السلمي وأبي نواس البصري، فقال ابن خالويه أشجع أشعر إذ قال في الرشيد:
وعلى عدوك يا ابن عم محمد * رصدان ضوء الصبح والاظلام فإذا تنبه رعته وإذا غفا * سلت عليه سيوفك الأحلام فقال المتنبي لأبي نواس ما هو أحسن في بني برمك وهو:
لم يظلم الدهر إذ توالت * فيهم مصيباته دراكا كانوا يجيرون من يعادي * منه فعاداهم لذاكا وقال عبد المحسن بن علي بن كوجك ان أباه حدثه قال: كنت بحضرة سيف الدولة وأبو الطيب اللغوي وأبو عبد الله بن خالويه النحوي، وقد جرت مسالة في اللغة تكلم فيها ابن خالويه مع أبي الطيب اللغوي والمتنبي ساكت، فقال له سيف الدولة: أ لا تتكلم يا أبا الطيب فتكلم فيها بما قوى حجة أبي الطيب اللغوي وضعف قول ابن خالويه، فاخرج ابن خالويه من كمه مفتاحا حديدا ليلكم به المتنبي فقال له المتنبي:
اسكت ويحك فإنك أعجمي واصلك خوزي فما لك وللعربية، فضرب وجه المتنبي بذلك المفتاح فاسال دمه على وجهه وثيابه، فغضب المتنبي لذلك إذ لم ينتصر له سيف الدولة لا قولا ولا فعلا، فكان ذلك أحد أسباب فراقه سيف الدولة. أقول ما يظهر من صدر القصة من أن ابن خالويه أراد لكمه بالمفتاح لمجرد انتصاره لأبي الطيب اللغوي بعيد فلا بد أن يكون أساء القول في ابن خالويه حتى أهاج غضبه وأخرج المفتاح ليضربه، ولعله من سنخ قوله انك أعجمي واصلك خوزي.
وفي لسان الميزان: يقال إن ابن خالويه قال له في مجلس سيف الدولة لولا أنك جاهل ما رضيت أن تدعى المتنبي ومعنى المتنبي كاذب والعاقل لا يرضى أن يدعى الكاذب، فاجابه باني لا أرضى بهذا ولا أقدر على دفع من يدعوني به، واستمرت بينهما المشاجرة إلى أن غضب ابن خالويه فضربه بمفتاح فخرج من حلب إلى مصر.
ما جرى للمتنبي مع الأمير أبو فراس الحمداني في الصبح المنبي قال ابن الدهان في المآخذ الكندية قال: قال أبو فراس لسيف الدولة: ان هذا المتشدق كثير الادلال عليك وأنت تعطيه كل سنة ثلاثة آلاف دينار على ثلاث قصائد ويمكن أن تفرق مائتي دينار على عشرين شاعرا يأتون بما هو خير من شعره.
أقول: ولكن سيف الدولة كان يعلم أن هؤلاء العشرين شاعرا ليس فيهم من يستطيع أن يقول مثل قول المتنبي في الميمية السابقة:
خميس بشرق الأرض والغرب زحفه * وفي أذن الجوزاء منه زمازم وقفت وما في الموت شك لواقف * كأنك في جفن الردى وهو نائم تمر بك الأبطال كلمى هزيمة * ووجهك وضاح وثغرك باسم بضرب أتى الهامات والنصر غائب * وصار إلى اللبات والنصر قادم تشرف عدنان به لا ربيعة * وتفتخر الدنيا به لا العواصم وكذلك أبو فراس لم يكن ليخفى عليه ذلك، ولكن غطرسة المتنبي