فكاهة لمجالس السفاهة، ودمت على هذا المنهج آتي أهل العصر من كل فج وأتقلب بينهم في مقاليب وأتنكر عليهم في أساليب حتى سكنت عني تلك الهزاهز والزعازع وصافاني المقاذع لي قبل المنازع وهشت إلي الليالي بعد اكفهرارها وتوطأت لي الأيام بعد اشمخرارها، وانتبه طرف حظي بعد طول النعاس ودرت علي اخلاف النعم من غير ايباس فصرت من التغابي والتعامي لا تخطئ سهامي المرامي ولا تنثني براثن آمالي عن فرائس الأماني إلا دوامي فلا علي ان أنشد من حوك جناني ووشي بناني:
الجاتني الأيام للجهل حتى * غشينني وأهل بيتي التهاني فانا اليوم في الأنام أبو جهل * وعرسي من الهنا أم هاني وبالجملة فللجهل عندي يد لا افتر عن ذكرها ولا أقوم وما حييت بشكرها إذ لو لم أتظاهر بذلك العيب لم تظفر آمالي بادراك السيب كالقوس لولا إعوجاج فيها لما اهتدت نبلها إلى مراميها، وانا اليوم في روض أريض وأتبختر في برد من العافية طويل عريض بين سادة سمحاء يكرمون ولا يمكرون ويطعمون ولا يطمعون وفصحاء يبتكرون ولا يرتكبون ويبهرون ولا يرهبون لا تمل مناجاتهم ولا تخشى مداجاتهم إلى أخلاق في رقة النسيم أو محاورة في عذوبة التسنيم لا تكبو في حلبة الفخار جيادهم ولا تصلد في مشاهد النوال زنادهم ثابت لديهم كما ابتغي قدمي مجرى عليهم ما نفث به فمي أو كتبه قلمي:
لا عيب فيهم سوى ان النزيل بهم * يسلو عن الأهل والأوطان والحشم ومذ أنخت في رحال أفنيتهم واستنشقت من ندى أنديتهم لم أزل أذيع من جميل وصاف حضرة سيدنا ما ينفي كلف السهر عن ماقي أهل السمر من حسن أخلاقه وطيب أعراقه وجمعه إلى شجرة علمه ثمرة عمله ووصله بطول طوله قصر امله وعدم ازدهائه بما هو فيه من سعة جاهه على اشباهه علما منه بان الدنيا ذات ضماد ووائدة الأولاد، ومن بحر علمه الذي لا تكدره الدلاء ولا ينقصه الغرف بالاملاء كما قلت فيه من غير تمويه:
إن فاخرت دجلة في فيضها * علم عبيد الله قلت اقصري فعلمه ليس له معبر * وكم رأينا لك من معبر ود السما تشري علاه ولو * بالشمس والمريخ والمشتري أقلامه تفعل في مهجة الحاسد * ما لا يفعل السمهري زهت به بغداد زهو الربى * بالنبت غب العارض الممطر وما فتئ قلبي من تذكر منادمته في ذهول وجسمي في ذبول وزفراتي في صعود وعبراتي في نزول فإذا ضاقت بي رحبة البلد مما بي من الكمد برزت إلى الرياض وتنزهت في الغياض لعلي ابل من متسلسل أنهارها صدى أو أجد على نار جلنارها هدى فما انثني إلا على ما كنت من صبر في انتقاص وولوع في مزيد منشدا ما قاله الأمين بن الرشيد:
وصف البدر حسن وجهك حتى * خلت اني ارى واني اراكا وإذا ما تنفس النرجس الغض * توهمته نسيم شذاكا خدع للمنى تعللني فيك * باشراق ذا ونفخة ذاكا لأقيمن ما حييت على الشكر * لهذا وذاك إذ حكياكا ويا ليت شعري هل درى اني ابعث إلى طيف خياله كل برق جرى أو نسيم سرى مثل قولي الذي يملأ العين عبرا ويصدع القلب ولو كان حجرا:
هل ترى زورة صب مولع * بهواكم فترى هل فترا سترى ان جئته حلف أسى * فيك كم داء دفينا سترا وترى من في انحناء شابه * القوس لكن في نحول وترا وما برحت من الشجي والخلي في ثوبي معذرة وتعنيف إلى أن اتاني من جنابه الشريف لا زالت حضرته العلية للطلاب أخصب ريف كتاب فحاويه ارق من ماء رونق الشباب ومعاليه أحل من رضاب الخود الكعاب لم يترك من الجزالة طريفة إلا حواها ومن السلاسة صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها فوقفت على ما فيه من بديع الفنون وقوف شحيح ضاع في الترب خاتمه فألفيت عند مجمل سره المصون كما فصل الياقوت بالدر ناظمه ورأيت أصداف ألفاظه تنطق عن اللؤلؤ المكنون كما افتر عن زهر الرياض كمائمه فتضاعفت عند قراءته على قلبي المحزون من الشوق والتبريح ما الله عالمه وكان جفني حين بادره بالدمع الهتون كريم رأى ضيفا فدرت مكارمه فليزه كاتب ذلك الخط فلقد خط بعد ما قط فاتى بما لم يسبق إليه قط وسطر فعطر وقرر فحرر وجمع جمع تصحيح لا مكسر إلى حسن كتابة سخرت ألفاتها بالقدود وواواتها بالأضداع فوق الخدود وسيناتها بالطرر على الغرر وصاداتها بالعيون ولو استعانت بالحور ولأماتها بالعذار على سوالف العذارى وميماتها بالأفواه وان تركت راشفيها سكارى ونوناتها بالحواجب وان أنافت في الفخار على قوس حاجب فلا غرو ان وقعت تلك الألوكة من قلوب الأدباء موقع الطل من أقاح الربا وأطربت حتى من لم يفهم معناها:
فصار كأنه أعمى معنى * بحب الغانيات ولا يراها فشكرت عند ورودها ذاك الجناب شكر الروض للسحاب وحمدت الله على أن أجناني ثمرة شجرة اخلاصي في ولائه وإقامتي على دعائه وإذعاني لعبير ثنائه ولقد زادني سيدي اجلالا بما كتب عند جحاجحة العرب حتى اني حللت من كل صدر محل جنانه ومن كل طرف محل إنسانه وقلدني نعمة لا أقارف كفرها ولا أفارق شكرها إلى أن تفارق الحمائم أطواقها والجوزاء نطاقها وقد أمللت بهذا الهذر جنابه الخطير وأبرمته بتطويل ما لا طائل تحته على اني من أهل التقصير فما هو إلا هذيان محموم أو تخليط مموم مع أن الكلام ما هو إلا كالشعر كلما طال زاد في الجمال وكالحياة تشتهي النفوس بعد مداها وان لا تقف على منتهاها وكالتشكي والتناجي بين المحبين إذا التقيا بعد البين في الليل الداجي:
ولربما ساق المحدث بعض ما * ليس البذئ إليه بالمحتاج لكن لا عتب على نازح صدع قلبه تذكر أوطانه صدع الزجاج واخل منه طول حنينه صحيح المزاج ففي دماغي من السوداء التي هي أسوأ داء ما لو صب في الفرات لأنقلب نيلا أو حمل رأس غيري لأندق عنقه وإن كان فيلا ولولا أني كبحت طرف قلبي الجموح وغضضت طرف فكري الطموح لأفضيا بي إلى عقد فصول من هذه الفضول ومؤلفات من هذه الخرافات فليحمد سيدي على العافية مولاه وليعذر من ابتلاه أدام الله لنا مكارمه التي عمت ولم أسال زيادتها فقد تمت والحمد لله تعالى.
كتابه إلى حمد البك أمير جبل عامل قال في مجموعته: ومن كتاب كتبته في النجف الأشرف وأرسلته إلى جناب