والأعجوبة فيه بذلك وانا أرجو أن يظهر للناس ما قد عرفته منه فيعلموا أن الرأي ما رأيت فيه فقالوا يا أمير المؤمنين أ تزوج ابنتك وقرة عينك صبيا لم يتفقه في دين الله ولا يعرف حلاله من حرامه ولا فرضه من سنته إن هذا الفتى وإن راقك منه هدية فإنه صبي لا معرفة له ولا فقه فامهله ليتأدب ويقرأ القرآن ويتفقه في الدين ويعرف الحلال من الحرام ثم اصنع ما تراه بعد ذلك فقال لهم المأمون ويحكم اني اعرف بهذا الفتى منكم وانه لافقه منكم واعلم بالله ورسوله وسنته واحكامه وأقرأ لكتاب الله منكم وأعلم بمحكمه ومتشابهه وناسخه ومنسوخه وظاهره وباطنه وخاصه وعامه وتنزيله وتأويله منكم فان شئتم فامتحنوا أبا جعفر فإن كان الأمر كما وصفتم قبلت منكم وإن كان الأمر على ما وصفت علمت أن الرجل خلف منكم قالوا له قد رضينا لك يا أمير المؤمنين ولأنفسنا بامتحانه فخل بيننا وبينه لننصب من يسأله بحضرتك عن شئ من فقه الشريعة فان أصاب الجواب عنه لم يكن لنا اعتراض في امره وظهر للخاصة والعامة سديد رأي أمير المؤمنين وإن عجز عن ذلك فقد كفينا الخطب في معناه فقال لهم المأمون شأنكم وذاك متى أردتم، فخرجوا من عنده واجتمع رأيهم على مسالة يحيى بن أكثم وهو يومئذ قاضي القضاة على أن يسأله مسالة لا يعرف الجواب فيها ووعدوه بأموال نفيسة على ذلك وعادوا إلى المأمون فسألوه أن يختار لهم يوما للاجتماع فأجابهم إلى ذلك فاجتمعوا في اليوم الذي اتفقوا عليه وحضر معهم يحيى بن أكثم فامر المأمون أن يفرش لأبي جعفر ع دست ويجعل له فيه مسورتان ففعل ذلك وخرج أبو جعفر ع فجلس بين المسورتين و جلس يحيى بن أكثم بين يديه وقام الناس في مراتبهم والمأمون جالس في دست متصل بدست أبي جعفر ع فقالوا يا أمير المؤمنين هذا القاضي إن أذنت له أن يسال أبا جعفر فقال له المأمون استأذنه في ذلك فاقبل عليه يحيى بن أكثم فقال أ تأذن لي جعلت فداك في مسالة قال له أبو جعفر ع: سل إن شئت قال يحيى ما تقول جعلني الله فداك أو يا أبا جعفر أصلحك الله ما تقول في محرم قتل صيدا فقال له أبو جعفر ع قتله في حل أو حرم عالما كان المحرم أم جاهلا قتله عمدا أو خطا حرا كان المحرم أم عبدا صغيرا كان أو كبيرا مبتدئا بالقتل أم معيدا من ذوات الطير كان الصيد أم من غيرها من صغار الصيد كان أم من كباره مصرا على ما فعل أو نادما في الليل كان قتله للصيد في أوكارها أم نهارا وعيانا محرما كان بالعمرة إذ قتله أو بالحج كان محرما، فتحير يحيى بن أكثم وانقطع انقطاعا لم يخف على أحد من أهل المجلس وبان في وجهه العجز والانقطاع وتلجلج حتى عرف جماعة أهل المجلس امره وتحير الناس عجبا من جواب أبي جعفر فقال المأمون الحمد لله على هذه النعمة والتوفيق لي في الرأي ثم نظر إلى أهل بيته وقال لهم أ عرفتم الآن ما كنتم تنكرونه فلما تفرق الناس وبقي من الخاصة من بقي قال المأمون لأبي جعفر ع إن رأيت جعلت فداك أن تذكر الفقه فيما فصلته من وجوه قتل المحرم الصيد وتعرفنا ما يجب على كل صنف من هذه الأصناف في قتل الصيد لنعلمه ونستفيده فقال أبو جعفر ع نعم إن المحرم إذا قتل صيدا في الحل وكان الصيد من ذوات الطير وكان من كبارها فعليه شاة فان أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا فإذا قتل فرخا في الحل فعليه حمل قد فطم من اللبن وليست عليه القيمة لأنه ليس في الحرم وإذا قتله في الحرم فعليه الحمل وقيمة الفرخ وإن كان من الوحش وكان حمار وحش فعليه بقرة وإن كان نعامة فعليه بدنة فإن لم يقدر فاطعام ستين مسكينا فإن لم يقدر فليصم ثمانية عشر يوما وإن كان بقرة فعليه بقرة فإن لم يقدر فليطعم ثلاثين مسكينا فإن لم يقدر فليصم تسعة أيام وإن كان ظبيا فعليه شاة فإن لم يقدر فليطعم عشرة مساكين فإن لم يجد فليصم ثلاثة أيام فان قتل شيئا من ذلك في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا هديا بالغ الكعبة وإذا أصاب المحرم ما يجب عليه الهدي فيه وكان إحرامه بالحج نحره بمنى حيث ينحر الناس وإن كان إحرامه بالعمرة نحره بمكة في فناء الكعبة ويتصدق بمثل ثمنه حتى يكون مضاعفا وكذلك إذا أصاب أرنبا أو ثعلبا فعليه شاة ويتصدق بمثل ثمن شاة وإن قتل حماما من حمام الحرم فعليه درهم يتصدق به ودرهم يشتري به علفا لحمام الحرم وفي الفرخ نصف درهم وفي البيضة ربع درهم وكلما اتى به المحرم بجهالة أو خطا فلا شئ عليه الا الصيد فان عليه فيه الفداء بجهالة كان أم بعلم بخطأ كان أم بعمد وجزاء الصيد على العالم والجاهل سواء وفي العمد له المأثم وهو موضوع عنه في الخطا والكفارة على الحر في نفسه وعلى السيد في عبده والصغير لا كفارة عليه وهي على الكبير واجبة والنادم يسقط بندمه عنه عقاب الآخرة والمصر يجب عليه العقاب في الآخرة وإن دل على الصيد وهو محرم وقتل الصيد فعليه فيه الفداء وإن أصابه ليلا في أوكارها خطا فلا شئ عليه إن لم يتصيد فان تصيد بليل فعليه فيه الفداء فقال له المأمون أحسنت يا أبا جعفر أحسن الله إليك وامر أن يكتب ذلك عنه.
وفي الارشاد في تتمة الرواية السابقة بعد ذكر سؤال الجواد ليحيى بن أكثم وعجزه عن الجواب وقول المأمون لأهل بيته: أ عرفتم الآن ما كنتم تنكرونه قال: ثم اقبل المأمون على أبي جعفر ع فقال له أ تخطب يا أبا جعفر؟ قال نعم يا أمير المؤمنين فقال له المأمون اخطب جعلت فداك لنفسك فقد رضيتك لنفسي وانا مزوجك أم الفضل ابنتي وان رغم قوم لذلك، فقال أبو جعفر ع: الحمد لله إقرارا بنعمته ولا إله إلا الله اخلاصا لوحدانيته وصلى الله على محمد سيد بريته والأصفياء من عترته اما بعد فقد كان من فضل الله على الأنام أن أغناهم بالحلال عن الحرام فقال سبحانه وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم ثم إن محمد بن علي بن موسى يخطب أم الفضل بنت عبد الله المأمون وقد بذل لها من الصداق مهر جدته فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهو خمسمائة درهم جيادا فهل زوجته يا أمير المؤمنين بها على هذا الصداق المذكور قال المأمون نعم قد زوجتك يا أبا جعفر أم الفضل ابنتي على الصداق المذكور فهل قبلت النكاح فقال أبو جعفر ع قد قبلت ذلك ورضيت به. وذكر نحوه في تحف العقول مع بعض التغيير وقال قد قبلت هذا التزويج بهذا الصداق. ورواية المسعودي في اثبات الوصية تخالف رواية المفيد في الخطبة كما أشرنا إليه في الجزء الخامس من المجالس السنية.
وفي تحف العقول فأولم المأمون وأجاز الناس على مراتبهم أهل الخاصة وأهل العامة والاشراف والعمال وأوصل إلى كل طبقة برا على ما تستحقه وقال المفيد. فامر المأمون أن يقعد الناس مرانبهم في الخاصة والعامة قال الريان ولم نلبث ان سمعنا أصواتا تشبه أصوات الملاحين في محاوراتهم فإذا الخدم يجرون سفينة مصنوعة من فضة مشدودة بالحبال من الإبريسم على عجلة مملوءة من الغالية فامر المأمون أن تخضب لحى الخاصة من تلك الغالية ثم مدت دار العامة فطيبوا منها ووضعت الموائد فاكل الناس وخرجت الجوائز إلى كل قوم على قدرهم فلما كان من الغد حضر الناس وحضر أبو جعفر ع وصار القواد والحجاب والخاصة والعمال لتهنئة المأمون وأبي جعفر