ذكرت جسيم مطلبي واني * أخاطر فيه بالمهج الجسام أ مثلي تأخذ النكبات منه * ويجزع من ملاقاة الحمام ولو برز الزمان إلي شخصا * لخضب شعر مفرقه حسامي وما بلغت مشيئتها الليالي * ولا سارت وفي يدها زمامي إذا إمتلأت عيون الخيل مني * فويل في التيقظ والمنام وأنه اخبره بأنه يوحى إليه وإن له معجزة هي حبس المطر وانه واعده على الخروج في يوم مطير إلى الصحراء فنظر إلى نحو مائتي ذراع في مثلها ما فيه قطرة مطر فاقر بنبوته وبايعه فقال:
أي محل أرتقي * أي عظيم اتقي وكل ما قد خلق الله * وما لم يخلق محتقر في همتي * كشعرة في مفرقي واخذ بيعته لأهله ثم صح بعد ذلك ان البيعة عمت كل مدينة في الشام، وذلك بأصغر حيلة تعلمها من بعض العرب: وهي صدحة المطر يصرفه بها عن اي مكان أحب بعد ان يحوي بعصا وينفث في الصدحة التي لهم، قال أبو عبد الله وقد رأيت كثيرا منهم بالسكون وحضرموت والسكاسك من اليمن يفعلون هذا ولا يتعاظمونه حتى أن أحدهم يصدح عن غنمه وإبله وعن القرية فلا يصيبها شئ من المطر وهو ضرب من السحر وسالت المتنبي بعد ذلك هل دخلت السكون قال نعم أ ما سمعت قولي:
ملث القطر أعطشها ربوعا * وإلا فاسقها السم النقيعا أ منسي السكون وحضرموتا * ووالدتي وكندة والسبيعا فقلت: من ثم استفاد ما جوزه على طعام أهل الشام.
قرآنه وانه زعم أنه أنزل عليه قرآن، وهذا بعض ما فيه:
والنجم السيار والفلك الدوار والليل والنهار ان الكافر لفي اخطار امض على سننك واقف أثر من كان قبلك من المرسلين فان الله قامع بك زيغ من ألحد في الدين وضل عن السبيل.
وانه كان يزعم أن الأرض تطوي له ويمخرق بذلك على الاعراب لأنه كان قويا على السير عارفا بالبوادي اه.
وقال ابن خلكان: انما قيل له المتنبي لأنه ادعى النبوة في بادية السماوة وتبعه خلق كثير من بني كلب وغيرهم فخرج إليه لؤلؤ أمير حمص نائب الاخشيد فاسره وتفرق أصحابه وحبسه طويلا ثم استتابه وأطلقه، وقيل غير ذلك وهذا أصح اه.
وذكر السمعاني في الأنساب نحوا مما ذكره ابن خلكان أقول إن الثعالبي لم يحقق دعواه النبوة بل اقتصر على نسبتها إلى الحكاية كما سمعت، ثم ذكر الثعالبي كما يأتي انه هم بالخروج على السلطان ودعا قوما إلى بيعته فبلغ خبره إلى والي البلدة فحبسه وقيده ولم يقل ان ذلك من أجل دعوى النبوة بل كلامه دال على أنه من أجل ارادته الخروج على السلطان، واما ما ذكره صاحب الصبح من أن تنباه كان باللاذقية فينافيه ما ذكره غيره كابن خلكان والسمعاني من أن تنباه كان ببادية السماوة عند بني كلب وكلاب، ثم ما حكاه من سحر المطر ومنعه عن المكان الذي يراد وان ذلك شائع باليمن حتى من الرعاة لا يقبله عقل ولم يثبت ان السحر يغير الحقائق وانما بغطي على الابصار كما يرشد إليه قوله تعالى سحروا أعين الناس. وقوله تعالى يخيل إليه من سحرهم انها تسعى واما الأبيات التي زعم أنه انشدها عندما خوفه العاقبة وهي قوله أبا عبد الاله الخ ففي ديوانه انه انشدها عندما عذله على ما كان شاهده من تهوره وليس فيها إشارة إلى أن هذا التهور كان بدعوى النبوة وإلا كان اللازم ذكر ذلك كما هي العادة في دواوين الشعراء فالأرجح انه عذله على تهوره في طلب الامارة وإرادة الخروج على السلطان والأبيات نفسها تدل على ذلك ولو كان عذله على دعوى النبوة وخوفه العاقبة لكان ينبغي أن يقول له في الأبيات: اني ان قتلت في سبيل دعوى النبوة أكون شهيدا سعيدا لأن ذلك شأن من يدعي الصدق في دعوى النبوة، فلما لم يتعرض لشئ من ذلك واقتصر على ذكر شجاعته وعدم مبالاته بالموت وان الزمان لو برز إليه بصورة شخص لقتله ولم يعط الليالي زمامه وان الخيل تهابه يقظة ونوما كما أن الشعر الذي زعم أنه أنشده عندما بايعه بالنبوة من قوله اي محل الخ لا يناسب المقام لأنه ليس فيه إلا الفخر والحماسة المتناهية واحتقار كل عظيم فلا يناسب انشاده عقيب البيعة بالنبوة بل المناسب أن يقول: سامضي في القيام بأعباء النبوة التي بعثت بها غير مبال بالمصائب، فهذه الأبيات أيضا ترشد إلى أنه قالها معبرا عما في نفسه من الطموح إلى الامارة والخروج على السلطان وليس في الديوان انه قالها عندما بايعه بالنبوة ولو كان كذلك لذكر، على أن قوله إن بيعته عمت كل مدينة بالشام مستبعد في العادة بل مقطوع بكذبه فان صح انه ادعى النبوة فبالبادية بين الاعراب لا في المدن لا سيما ان الوجه الذي استند إليه في عمومها للمدن قد عرفت فساده ومن ذلك يتطرق الشك إلى أصل دعواه النبوة خصوصا انه كان ينكر ذلك ويقول إنه سمي بالمتنبي لشعر قاله ففي اليتيمة حكى أبو الفتح عثمان بن جني قال سمعت أبا الطيب يقول انما لقيت بالمتنبي لقولي:
انا ترب الندى ورب القوافي * وسمام العدى وغيظ الحسود انا في أمة تداركها الله * غريب كصالح في ثمود ما مقامي بأرض نحلة الا * كمقام المسيح بين اليهود ونخلة توجد في كثير من النسخ بالخاء المعجمة والظاهر أن الصواب كونها نحلة بالحاء المهملة وهي القرية التي بقرب بعلبك فإنه كان يتردد كثيرا إلى تلك البلاد فلعله أقام بها مدة وقد نزل على علي بن عسكر ببعلبك فخلع عليه وحمله ومدحه المتنبي كما في ديوانه وفي معجم البلدان نحلة قرية بينها وبين بعلبك ثلاثة أميال إياها عنى أبو الطيب فما احسب بقوله:
ما مقامي بدار نحلة الا * كمقام المسيح بين اليهود وفي الصبح المنبي قال أبو علي يعني الفارسي قيل للمتنبي على من تنبأت قال على الشعراء فقال لكل نبي معجزة فما معجزتك قال هذا البيت:
ومن نكد الدنيا على الحر ان يرى * عدوا له ما من صداقته بد تشيعه قال ابن حجر العسقلاني في لسان الميزان ذكره ابن الطحان في ذيل الغرباء وقال: كان يتشيع وقيل كان ملحدا اه أقول المسارعة إلى نسبة الالحاد والتكفير يجرأ عليها الكثير فباؤوا بسخطه تعالى وما في بعض أشعاره