حذرا عليه قبل يوم فراقه * حتى لكدت بماء جفني أشرق ويقول في استعطاف سيف الدولة على بني كلاب:
ترفق أيها المولى عليهم * فان الرفق بالجاني عتاب وانهم عبيدك حيث كانوا * إذا تدعو لحادثة أجابوا وعين المخطئين هم وليسوا * بأول معشر خطئوا فتابوا ويقول في استعطافه على بني كلاب وبني كعب:
إذا لم يرع سيدهم عليهم * فمن يرعي عليهم أو يغار تفرقهم وإياه السجايا * ويجمعهم وإياه النجار بنو كعب وما أثرت فيهم * يد لم يدمها إلا السوار بها من قطعه ألم ونقص * وفيها من جلالته افتخار لها حق بشركك في نزار * وأدنى الشرك في أصل جوار لعل بنيهم لبنيك جند * فأول قرح الخيل المهار ويقول في وصف الأسد:
ورد إذا ورد البحيرة شاربا * ورد الفرات زئيره والنيلا متخضب بدم الفوارس لابس * في غيله من لبدتيه غيلا في وحدة الرهبان الا انه * لا يعرف التحريم والتحليلا يطأ الثرى مترفقا من تيهه * فكانه آس يجس عليلا ويرد عفرته إلى يافوخه * حتى تصير لرأسه إكليلا ويقول في وصف الخيل:
وجردا مددنا بين آذانها القنا * فبتن خفافا يتبعن العواليا تماشى بأيد كلما وافت الصفا * نقشن به صدر البزاة حوافيا وتنظر من سود صوادق في الدجى * يرين بعيدات الشخوص كما هيا وتنصب للجرس الخفي سوامعا * يخلن مناجاة الضمير تناجيا وخالف المتنبي طريقة الشعراء في طلبهم السقيا للديار والمنازل فقال:
ملث القطر عطشها ربوعا * وإلا فاسقها السم النقيعا أسائلها عن المتديريها * فلا تدري ولا تذري دموعا وانفرد بكثرة الاغلاق والتعقيد في شعره ولا حاجة إلى ايراد أمثلة منه فهو في شعره كثير ظاهر.
ما عيب على المتنبي اورد صاحب اليتيمة من ذلك قدرا وافيا كثير منه اخذه من رسالة الصاحب، ونحن نورده هنا لما فيه من الفوائد للقارئ بتجنب أمثاله، وبترويح النفس بما قيل فيه ونعلق عليه بعض ما يقتضيه المقام:
1 قبح المطالع مع أن المطلع أولي بالحسن وعذوبة اللفظ والبراعة وجودة المعنى من جميع القصيدة، لأنه أول ما يقرع الأسماع، وهو بمنزلة الوجه للانسان، فإذا كانت حاله على الضد مجه السمع وكرهته النفس قال الثعالبي ولأبي الطيب إبتداءات ليست لعمري من أحرار الكلام وغرره، بل هي كما نعاها عليه العائبون مستشنعة مستبشعة لا يرفع السمع لها حجابه ولا يفتح القلب لها بابه كقوله:
هذي برزت لنا فهجت رسيسا * ثم انصرفت وما شفيت نسيسا فإنه لم يرض بحذف علامة النداء من هذي وهو غير جائز عند النحويين حتى ذكر الرسيس والنسيس فاخذ بطرفي الثقل والبرودة وقوله في مطلع قصيدة هي أول ما مدح به عضد الدولة: أوه بديل من قولتي واها في اليتيمة انه برقية العقرب أشبه منه بافتتاح كلام في مخاطبة ملك وقوله:
وفاؤكما كالربع أشجاه طاسمه * بان تسعدا والدمع أشفاه ساجمه فقد تكلف اللفظ المتعقد والترتيب المتعسف لغير معنى بديع يفي شرفه وغرابته بالتعب في استخراجه ولا تقوم فائدة الانتفاع به بإزاء التأذي باستماعه وقوله في افتتاح قصيدة في مدح ملك وهو كافور في أول ملاقاته له بأول شعر:
كفى بك داء ان ترى الموت شافيا * وحسب المنايا ان يكن أمانيا والافتتاح بذكر الداء والموت مع الاقتران بكاف الخطاب فيه من الطيرة ما ينفر السوقة فكيف الملوك والتحرز عما يتطير منه في الشعر سيما المطلع أمر يلزم الشاعر مراعاته. حكى الصاحب بن عباد في كتابه الكشف عن مساوئ المتنبي قال ذكر الأستاذ الرئيس أيده الله يعني ابن العميد يوما الشعر فقال إن أول ما يحتاج إليه فيه حسن المطلع فان فلانا وهو ابن أبي الشباب أنشدني في يوم نيروز قصيدة ابتداؤها: أ قبر وتا طلت ثارك يد الطل. فتطيرت من افتتاحه بالقبر وتنغصت باليوم والشعر فقلت كذلك كانت حال أبي مقاتل الضرير لما مدح الداعي في يوم مهرجان حين قال:
لا تقل بشرى ولكن بشريان * غرة الداعي ويوم المهرجان فنفر من قوله لا تقل بشرى أشد نفار وقال أعمى ويبتدئ بهذا في يوم مهرجان اه وفي خبر انه أمر بضربه خمسين سوطا وقال اصلاح أدبه أبلغ من ثوابه وفي خبر انه أجابه فقال إن كلمة التوحيد ابتدأت بلا وهي لا اله إلا الله إلا أن ذلك لا يرفع استبشاع هذا المطلع. وهذا هو الداعي إلى الحق العلوي الثائر بطبرستان. وهو الحسن بن زيد بن محمد من أولاد زيد بن علي ع واستولى على طبرستان وما يليها في خلافة المستعين ويسمى بالداعي الأكبر وقد ولي الأمر بعده اخوه محمد بن زيد إلى أن قتل بجرجان وكذلك هذا الشاعر لما مدح الداعي الأكبر المذكور بقصيدة أولها: موعد أحبابك بالفرقة غد أغضبه التفاؤل بهذا الافتتاح وقال بل موعد أحبابك يا أعمى ولك المثل السوء، وقد وقع نظير ذلك لجماعة من الشعراء بل لفحولهم كالبحتري حين أنشد أبا سعيد محمد بن يوسف الثغري قصيدته التي أولها:
لك الويل من ليل طويل اواخره * ووشك نوى حي تزم أبا عره فقال بل لأمك الويل. وفي رواية بل لك الويل والحرب، والموجود في ديوانه المطبوع له الويل وكانه غيره بعد ذلك، وانشد ذو الرمة عبد الملك بن مروان قصيدة مطلعها: ما بال عينك منها الدمع ينهمل وكانت عين عبد الملك لا تزال تدمع فقال وما سؤالك عن هذا يا ابن الفاعلة وصفعه وأمر باخراجه. وانشد الأخطل عبد الملك بن مروان قصيدته التي أولها: خف القطين فراحوا منك أو بكروا فقال له عبد الملك لا بل منك وتطير من قوله. ولما أنشد أبو نواس الفضل بن يحيى البرمكي قصيدته التي أولها: