فابكوا علينا دما يا قوم وانتحبوا * (وإن علاني من دوني فلا عجب لي أسوة بانحطاط الشمس عن زحل) فإن نصر في البرايا عبرة العبر * كما بدا سيعود الدين فاعبر بنا ومنا وفينا سيد البشر * (فاصبر لها غير محتال ولا ضجر في حادث الدهر ما يغني عن الحيل) فجئت إذ شدت الكفار وابتهجت * إلى قتالي وباب الغدر قد ولجت وليس في أمرنا شئ بمشتبه * فيما مضى والذي لم يأت فانتبه ولا تصاحب رفيقا إن ولعت به * (أعدى عدوك أدنى من وثقت به فحاذر الناس واصحبهم على دخل) كتب مطولة جاءت وموجزة * أن سر إلينا فإن الأرض محرزة وحسن الظن فالأيام منجزة * (وحسن ظنك بالأيام معجزة فظن شرا وكن منها على وجل) فقلت: أيمانكم ما بالها فلجت؟ * (غاض الوفاء وفاض الغدر وانفرجت مسافة الخلف بين القول والعمل) أجابني الحر (1): إن القوم ربهم * عليهم ساخط إذ جل ذنبهم بدا لهم بغضكم والضد حبهم (وشان صدقك عند الناس كذبهم وهل يطابق معوج بمعتدل) فاقتل لمن يتعدى من طغاتهم * ولا تبق بحال من بغاتهم فلست ترجو سرورا من سراتهم * (إن كان ينجع شئ في ثباتهم على العهود فسبق السيف للعذل) قل لابن سعد: لحاك الله يا عمر * قتلت قوما بهم جبريل يفتخر حصلت في شر نار كلها شرر * (يا واردا سؤر عيش كله كدر أنفقت عمرك في أيامك الأول) أتسخط الله والمختار تغضبه * بقتل أبنائه طرا تحاربه والآل والمال تسبيه وتنهبه * (فيم اعتراضك لج البحر تركبه وأنت يكفيك منه مصة الوشل) غادرت سبط رسول الله منجدلا * طلبت ملكا كساك الله ثوب بلا ولو قنعت لزاد الله فيك علا * (ملك القناعة لا يخشى عليه ولا يحتاج فيه إلى الأنصار والخول) (2) ويل لمن حارب ابن المصطفى ولها * عن نصره وتعدى أمره ولها يا بائع الدين بالدنيا وأخذ لها * (ترجو البقاء بدار لا بقاء لها فهل سمعت بظل غير منتقل) كن مسلما صان عهد المصطفى ورعى * في آله وبنيه وأدخر ورعا ولب عبد بني الديان حين دعا * (ويا خبيرا على الأسرار مطلعا أصمت ففي الصمت منجاة من الزلل) (3) أدم مفصل حمد ثم مجمله * لمن لخلقك بالايمان حمله ثم الصلاة لمن بالحق أرسله * (قد رشحوك لأمر إن فطنت له فاربا بنفسك أن ترعى مع الهمل) محمد علي الحوماني ولد حوالي سنة 1315 (1896) م. في قرية حاروف (جبل عامل) وتوفي سنة 1964 م في بيروت ودفن في حاروف تعلم الخط والقراءة على أبيه وأخيه الشيخ حسين ثم دخل المدرسة الابتدائية في النبطية ثم مدرسة السيد حسن يوسف في البلدة نفسها فدرس فيها علوم اللغة العربية. وفي نهاية الحرب العالمية الأولى وابتداء الاحتلال الفرنسي للبنان عين معلما لمدرسة شقراء سنة 1920 م. ثم تنقل في عدة قرى حتى استقر في النبطية، وكانت قد تفتحت شاعريته وبدأ ينظم الشعر. وهنا في النبطية خطا خطوته الأولى في تملق النافذين الأثرياء استدرارا لأموالهم، فنظم في أحدهم قائلا من قصيدة: (4) من فيض كفك هذا البحر منفجر * ومن سمائك هذا الغيث منهمر يا تاركا حصب الغبراء تحسده * عليك فوق السماء الأنجم الزهر هل أبصروك على عرش العلى ملكا * اكليله الكلم المنظوم لا الدرر وبقدر ما كان يسر الناس بروز شاعرية هذا الشاعر، كان يؤلمهم ان يسلك في شاعريته تلك السيل المزرية، ثم يكرر القول في الشخص نفسه قائلا من قصيدة: (5) كأن جبين (يوسف) وهو فيهم * هلال بالنجوم الزهر حفا روى عنه الحيا كرما فأمست * غواني المكرمات تميس عطفا ونلاحظ دائما في هذا الشعر. التركيز على (فيض الكف) في القطعة الأولى، (والكرم) في القطعة الثانية استنهاضا للممدوح على أن تفيض كفه وينهل كرمه (كالحيا) لتتحقق أهداف الشاعر من نظم هذا الشعر. ولا شك أن الكثير من أهدافه قد تحقق بدليل أنه ظل مسترسلا في هذا الضرب من الشعر موجها إلى الممدوح نفسه (6) اتى العيد يرفل لكن بما * كسته المحامد من يوسف ترى المسنتين لدى بابه * عكوفا بالسنة هتف تنادي الجواد أبا حاتم * وتدعو الحليم ابا الأحنف " فالمسنتون " - وهو بالطبع منهم - عاكفون على باب الممدوح وألسنتهم هاتفة في ذاك الباب، ولا شك أن الشاعر كان أعلاهم صوتا في الهتاف بشعره، والشاعر صريح ببيانه حقيقة ذلك الهتاف بقوله ان تلك الأصوات، - وصوته في أولها - كانت تنادي (الجواد أبا حاتم) وحين تنادي الجواد أبا حاتم فمعنى ذلك أنها كانت تطالب بعطاياه ولئلا يغضب الممدوح لعلو تلك الأصوات وصخبها فهي تدعوه في الوقت نفسه (الحليم أبا الأحنف) وقد شجعت العطايا هذا الشاعر على أن يزداد استرسالا في الوقوف على باب الممدوح، وان يعلن بصراحة ما بعدها صراحة بأن الكدية هي مهنته، وأنها ما دامت مهنته فهو يقول ويكرر في قوله بدون أي حياء أنه يعكف على الأبواب ويجتدي الأكف من العيد أن نجتلي وجهه هلالا * يتم ولا يخسف من العيد أن نجتدي كفه * ندى وعلى بابه نعكف والواقع أنه لم يعرف المدح في الشعر العربي مثل هذه الوقاحة التي لا يخجل صاحبها من أن يقول: (نجتدي كفه) (وعلى بابه نعكف) وكان من يطالب بالعطايا في الماضين يلمح إلى ذلك تلميحا خفيفا خجلا واستحياء، اما هذا الشاعر فلا يخجله شئ.
(٢١٦)